حَقِّ التَّصرُّفِ، أو شُرعَ للتَّمكُّنِ من التَّصرُّفِ في المحَلِّ، وقد زالَ ذلك بالإحرازِ بالدارِ؛ لأنَّ المالِكَ لا يُمكِنُه الانتِفاعُ به إلا بعدَ الدُّخولِ، ولا يُمكِنُه الدُّخوُل بنَفسِه لما فيه مِنْ مُخاطرةِ الرُّوحِ، وإلقاءِ النَّفسِ في التَّهلُكةِ، وغيرُه قد لا يُوافِقُه ولو وافَقه فقد لا يَظفَرُ به، ولو ظفِرَ به فقَلَّما يُمكِنُهم الاستِردادُ؛ لأنَّ الدارَ دارُهم، ولأنَّ أهلَ الدارِ يَذبُّونَ عن دارِهم، فإذا زالَ مَعنى المِلكِ أو ما شُرعَ له المِلكُ يَزولُ المِلكُ ضَرورةً.
وإذا ثبَتَ أنَّ مِلكَ المُسلِمِ يَزولُ عن مالِه باستِيلاءِ الكُفارِ عليه، إلا أنَّه يَثبُتُ على وَجهٍ له حقُّ الإعادةِ، إمَّا بعِوضٍ، أو بغيرِ عِوضٍ، حتى لو ظهَرَ عليهم المُسلِمونَ فأخَذوها وأحرَزوها بدارِ الإسلامِ؛ فإنْ وجَده المالِكُ القَديمُ قبلَ القِسمةِ أخَذَه بغيرِ شَيءٍ، سَواءٌ كانَ من ذَواتِ القيَمِ أو من ذَواتِ الأمثالِ، وإنْ وجَدَه بعدَ القِسمةِ؛ فإنْ كانَ من ذَواتِ الأمثالِ لا يأخُذُه؛ لأنَّه لو أخَذَه لأخَذَه بمِثلِه فلا يُفيدُ.
وإنْ لم يَكنْ من ذَواتِ الأمثالِ يأخُذُه بقيمَتِه إنْ شاءَ؛ لأنَّ الأخذَ بالقيمةِ مُراعاةُ الجانبَينِ: جانِبِ المِلكِ القَديمِ بإيصالِه إلى قَديمِ مِلكِه الخاصِّ المَأخوذِ منه بغيرِ عِوَضٍ، وجانِبِ الغانِمينَ بصيانةِ مِلكِهم الخاصِّ عن الزَّوالِ من غيرِ عِوَضٍ، فكانَ الأخذُ بالقيمةِ نَظَرًا للجانِبَيْن ومُراعاةً للحَقَّيْن، بخِلافِ ما إذا وجَده قبلَ القِسمةِ، فإنَّه يأخُذُه بغيرِ شَيءٍ؛ لأنَّ الثابِتَ للغانِمينَ قبلَ القِسمةِ بعدَ الإحرازِ ليسَ إلا الحَقَّ المُتأكَّدَ، أو المِلكَ العامَّ.