للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَفسِه لأجلِ مَصلَحةِ ظُهورِ الدِّينِ، ولِهذا جوَّزَ الأئِمةُ الأربَعةُ أنْ يَنغَمِسَ المُسلِمُ في صَفِّ الكُفارِ وإنْ غلَبَ على ظَنِّه أنَّهم يَقتُلونَه إذا كانَ في ذلك مَصلَحةٌ للمُسلِمينَ.

وقد بسَطْنا القَولَ في هذه المَسألةِ في مَوضِعٍ آخرَ، فإذا كانَ الرَّجلُ يَفعَلُ ما يَعتقِدُ أنَّه يُقتَل به لأجلِ مَصلَحةِ الجِهادِ مع أنَّ قَتلَه نَفسَه أعظَمُ من قَتلِه لغيرِه كانَ ما يُفضي إلى قَتلِ غيرِه لأجلِ مَصلَحةِ الدِّينِ التي لا تَحصُلُ إلا بذلك، ودَفعُ ضَررِ العَدوِّ المُفسِدِ للدِّينِ والدُّنيا الذي لا يَندَفعُ إلا بذلك أوْلى (١).

وقالَ جَوابًا عن سُؤالٍ: وأمَّا قَولُه: أُريدُ أنْ أقتُلَ نَفسي في اللهِ، فهذا كَلامٌ مُجمَلٌ؛ فإنَّه إذا فعَلَ ما أمَرَه اللهُ به فأفضى ذلك إلى قَتلِ نَفسِه فهذا مُحسِنٌ في ذلك، كالذي يَحمِلُ على الصَّفِّ وَحدَه حَملًا فيه مَنفَعةٌ للمُسلِمينَ وقد اعتقَد أنَّه يُقتَل فهذا حَسنٌ.

وفي مِثلِه أنزَلَ اللهُ قَولَه: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (٢٠٧)[البقرة: ٢٠٧]، ومِثلَما كانَ بعضُ الصَّحابةِ يَنغمِسُ في العَدوِّ بحَضرةِ النَّبيِّ .

وقد رَوى الخَلَّالُ بإسنادِه عن عُمرَ بنِ الخَطابِ: أنَّ رَجلًا حمَلَ على العَدوِّ وَحدَه فقالَ الناسُ: ألقَى بيَدِه إلى التَّهلُكةِ. فقالَ عُمرُ: لا، ولكنَّه ممَّن قالَ اللهُ فيه: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (٢٠٧)[البقرة: ٢٠٧].


(١) «مجموع الفتاوى» (٢٨/ ٥٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>