ثم قالَ: إنَّ العِبادةَ المُفضيةَ إلى قَتلِ النَّفسِ بلا مَصلَحةٍ مَأمورٌ بها هي مِنْ قَتلِ النَّفسِ المَنهيِّ عنه.
فيَنبَغي للمُؤمِن أنْ يُفرِّقَ بينَ ما نَهى اللهُ عنه مِنْ قَصدِ الإنسانِ قَتلَ نَفسِه أو تَسبُّبِه في ذلك وبينَ ما شرَعَه اللهُ من بَيعِ المُؤمِنينَ أنفُسَهم وأموالَهم له.
وقالَ تَعالى أيضًا: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (٢٠٧)﴾ [البقرة: ٢٠٧] أي: يَبيعُ نَفسَه. والاعتِبارُ في ذلك بما جاءَ به الكِتابُ والسُّنةُ لا بما يَستحسِنُه المَرءُ أو يَجدُه أو يَراه من الأُمورِ المُخالِفةِ للكِتابِ والسُّنةِ؛ بل قد يَكونُ أحَدُ هؤلاء جاهلًا، كما قالَ عُمرُ بنُ عبدِ العَزيزِ:«مَنْ عبَد اللهَ بجَهلٍ أفسَد أكثَرَ ممَّا يُصلِحُ». ومما يَنبَغي أنْ يُعرَفَ أنَّ اللهَ ﷾ ليسَ رِضاه أو مَحبَّتُه في مُجرَّدِ عَذابِ النَّفسِ وحَملِها على المَشاقِّ حتى يَكونَ العَملُ كُلَّما كانَ أشَقَّ كانَ أفضَلَ، كما يَحسَبُ كَثيرٌ من الجُهَّالِ أنَّ الأجرَ على قَدْرِ المَشقةِ في كلِّ شَيءٍ، لا، ولكنَّ الأجرَ على قَدرِ مَنفَعةِ العَملِ ومَصلَحتِه وفائِدتِه (١).