للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَتأوَّلون هذه الآيةَ هذا التَّأويلَ، وإنَّما أُنزِلت هذه الآيةُ فينا مَعشَرَ الأنصارِ لمَّا أعَزَّ اللهُ الإسلامَ وكثُرَ ناصِروه، فقالَ بَعضُنا لبَعضٍ سِرًّا دونَ رَسولِ اللهِ : إنَّ أموالَنا قد ضاعَت وإنَّ اللهَ قد أعَزَّ الإسلامَ وكثُر ناصِروه، فلو أقَمنا في أموالِنا فأَصلَحنا ما ضاعَ منها، فأنزَلَ اللهُ على نَبيِّهِ يَرُدُّ عَلَينا ما قُلنا ﴿وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: ١٩٥] فكانَت التَّهلُكةُ الإقامةَ على الأموالِ وَإصلاحِها وتَرْكِنا الغَزوَ.

قالَ: فما زالَ أبو أيُّوبَ شاخِصًا في سَبيلِ اللهِ حتى دُفنَ بِأرضِ الرُّومِ» (١).

وعن أبي إسحاقَ قالَ: «قُلتُ للبَراءِ: أرأيتَ قَولَ اللهِ ﷿: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: ١٩٥] هو الرَّجلُ يَحمِلُ على الكَتيبةِ فيها ألْفٌ؟ قالَ: لا، ولكنَّه الرَّجلُ يُذنِبُ فيُلقي بيَدِه فيَقولُ: لا تَوبةَ لي» (٢).

فهذه النُّصوصُ السابِقةُ كلُّها ظاهِرةٌ في جَوازِ حَملِ الواحِدِ من المُسلِمينَ على العَددِ الكَثيرِ من العَدوِّ، وهو ما قرَّرَه جَماهيرُ أهلِ العِلمِ، وإليكَ بعضَ نُصوصِهم:

جاءَ في «السِّيَرِ الكَبيرِ» لمُحمدِ بنِ الحَسنِ الشَّيبانِيِّ : ولو أنَّ مُسلمًا حمَل على ألفِ رَجلٍ وَحدَه؛ فإنْ كانَ يَطمَعُ أنْ يَظفَرَ بهم أو يَنكَأَ فيهم فلا بأسَ بذلك؛ لأنَّه يَقصِدُ بفِعلِه النَّيلَ من العَدوِّ، وقد فعَلَ ذلك بين


(١) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه أبو داود (٢٥١٢)، والترمذي (٢٩٧٢)، وابن حبان في «صحيحه» (٤٧١١)، والحاكم في «المستدرك» (٣٠٨٨).
(٢) رواه البيهقي (١٧٧٠٥)، وقال الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» (٨/ ١٨٥): أخرجه ابنُ جريرٍ، وابنُ المُنذِرِ، وغيرُهما عنه بإِسنادٍ صَحيحْ عن أبي إِسحاقَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>