للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَديْ رَسولِ اللهِ غيرُ واحِدٍ من الأصحابِ يَومَ أُحدٍ، ولمْ يُنكِرْ ذلك عليهم رَسولُ اللهِ ، وبشَّرَ بَعضَهم بالشَّهادةِ حينَ استأذَنه في ذلك، وإنْ كانَ لم يَطمَعْ في نِكايةٍ فإنَّه يُكرَهُ له هذا الصَّنيعُ؛ لأنَّه يُتلِفُ نَفسَه من غيرِ مَنفَعةٍ للمُسلِمينَ ومن غيرِ نِكايةٍ فيه للمُشرِكينَ، وفي الأمرِ بالمَعروفِ والنَّهيِ عن المُنكَرِ يَسَعُه الإقدامُ، وإنْ كانَ يَعلمُ أنَّ القَومَ يَقتُلونَه، وأنَّه لا يَتفرَّقُ جَمعُهم بسَبَبِه؛ لأنَّ القَومَ هناك مُسلِمونَ مُعتَقِدونَ لما يَأمرُهم به، فلا بدَّ من أنَّ فِعلَه يَنكَأُ في قُلوبِهم، وإنْ كانُوا لا يُظهِرون ذلك، وههنا القَومُ كُفارٌ لا يَعتقِدونَ حَقيقةَ الإسلامِ، وفِعلُه لا يَنكَأُ في باطِنِهم، فيُشترطُ النِّكايةُ ظاهِرًا لإباحةِ الإقدامِ، وإنْ كانَ لا يَطمَعُ في نِكايةٍ ولكنَّه يُجرِّئُ بذلك المُسلِمينَ عليهم حتى يَظهَرَ بفِعلِ النِّكايةِ في العَدوِّ، فلا بأسَ بذلك إنْ شاءَ اللهُ تَعالى؛ لأنَّه لو كانَ على طَمعٍ من النِّكايةِ بفِعلِه جازَ له الإقدامُ، فكذلك إذا كانَ يَطمَعُ في النِّكايةِ فيهم بفِعلِ غيرِه.

وكذلك إنْ كانَ في إرهابِ العَدوِّ وإدخالِ الوَهنِ عليهم بفِعلِه فلا بأسَ به؛ لأنَّ هذا أفضَلُ وُجوهِ النِّكايةِ وفيه مَنفَعةٌ للمُسلِمينَ، وكلُّ واحِدٍ يَبذُلُ نَفسَه لهذا النَّوعِ من المَنفَعةِ (١).

وقالَ الإمامُ أبو بَكرٍ الجَصاصُ بعدَ أنْ ذكَرَ كَلامَ الإمامِ مُحمدِ ابنِ الحَسنِ هذا: والذي قالَه مُحمدٌ من هذه الوُجوهِ صَحيحٌ لا يَجوزُ غيرُه، وعلى هذه المَعانِي يُحمَلُ تَأويلُ مَنْ تأوَّل في حَديثِ أبي أيُّوبَ أنَّه ألقى بيَدِه


(١) «شرح السير الكبير» (٤/ ١٥١٢، ١٥١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>