للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم أعاد هذا الحَديثَ برِوايةِ جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ من وَجهٍ آخَرَ: أنَّ مُحمدَ بنَ مَسلَمةَ هو الذي أتَى ابنَ الأشرَفِ فقالَ: يا كَعبُ، قد جِئتُكَ لحاجةٍ، قالَ: مَرحَبًا بحاجَتِكَ، قالَ: جِئتُكَ أستَسلِفُك تَمرًا، قالَ: ما بُغيَتُكم إلى مَسألةِ التَّمرِ؟ وإنَّما قالَ ذلك؛ لأنَّهم كانُوا يَجِدون في الجاهِليةِ ألْفَ وَسقٍ، فقالَ مُحمدٌ: إنَّ هذا الرَّجلَ لم يَدَعْ عندَنا شَيئًا وأصحابُه، وأرادَ به: لم يَدَعْ عندَنا شَيئًا ممَّا كانَ يَضُرُّنا من أُمورِ الجاهِليةِ أو شَيئًا من الشِّركِ أو شَيئًا ممَّا يُحتاجُ إليه من أُمورِ الدِّينِ والدُّنيا إلا هَدانا إليه. قالَ كَعبٌ: الحَمدُ للهِ الذي أراكَ النُّصرةَ، فانظُرْ حاجَتَك، ولكنْ لا بدَّ من رَهنٍ، قالَ: أرهَنُكَ دِرعي، قالَ: لعلَّها دِرعُ أبيك الزَّغباءُ؟ قالَ: نَعمْ، قالَ: فائْتِ بمَن أحبَبتَه وخُذْ حاجَتَك، قالَ: فإنِّي آتيكَ في خَمرِ اللَّيلِ -أي في ظُلمةِ اللَّيلِ، والخَمرُ: ما وَاراكَ-؛ فإنِّي أكرَهُ أنْ يَرى الناسُ أنِّي أطلُبُك أو آتيكَ في حاجةٍ أو أنِّي احتَجتُ … الحَديثَ، إلى أنْ نزَلَ إلى مُحمدٍ وآنَسَه شَيئًا وحادَثه، ثم أدخَلَ يَدَه في رأسِه، وكانَ جَعدًا، فقالَ: ما أطيَبَ دُهنَكَ، قالَ: إنْ شِئتَ أرسَلتُ إليكَ منه، ثم عادَ الثانِيةَ، فقالَ: قد تَركتَ يا مُحمدُ أنتَ وأصحابُكَ هذا -يَعنى الدُّهنَ-، فلمَّا أنْ خلَّلَ أصابِعَه في رأسِه ضرَبَ بالخِنجَرِ سُرتَه … الحَديثَ إلى آخِرِه، فقد أخبَرَه أنَّه يأتيه ليسَتسلِفَه تَمرًا ثم قتَلَه، ولم يَكُ ذلك منه غَدرًا فتَبيَّنَ أنَّه لا بأسَ بمِثلِه، واللهُ المُوفِّقُ (١).


(١) «شرح السير الكبير» (١/ ٢٦٦، ٢٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>