الدَّمِ من جِراحَتِه فعَطَفوا عليه، أي: رَحِموه أو حَمَلوه على أعناقِهم حتى أتَوُا النَّبيَّ ﷺ، فلمَّا أتَوُا البَقيعَ كَبَّروا وقد قامَ رَسولُ اللهِ ﷺ تلك اللَّيلةَ يُصَلِّي، فلمَّا سمِعَ تَكبيرَهم عرَفَ أنَّهم قتَلوه، ثم أتَوْا يُصاحِبُهم الحارِثُ بنُ أوْسٍ إلى النَّبيِّ ﷺ فتفَلَ على جُرحِه فلم يُؤذِه، وأخبَروه بخبَرِ عَدوِّ اللهِ، ثم رجَعوا إلى أهلِهم، فلمَّا أصبَحَ رَسولُ اللهِ ﷺ قالَ:«مَنْ ظَفِرتم به من رِجالِ يَهودَ فاقتُلُوه»، وإنَّما قالَ ذلك لئلَّا يَتجَمَّعوا في كلِّ مَوضِعٍ للتَّحدُّثِ بما جَرى والتَّدبيرِ فيه، وهذا من الحَزمِ والسِّياسةِ.
قالَ: فخافَت اليَهودُ، ولم يَخرجْ عَظيمٌ من عُظمائِهم، ولم يَنطِقوا بشَيءٍ، وخافُوا أنْ يُبيِّتوا كما بيَّتَ ابنُ الأشرفِ، وكانَ ابنُ سُنينةَ من يَهودِ بَني حارِثةَ، وكانَ حَليفًا لحُويِّصةَ بنِ مَسعودٍ، وكانَ أخوه مُحيِّصةُ قد أسلَمَ، فغَدا مُحيِّصةُ على ابنِ سُنَينةَ فقتَلَه، فجعَلَ حُويِّصةُ يَضرِبُ مُحيِّصةَ، وكانَ أسَنَّ منه، ويَقولُ: أيْ عَدوَّ اللهِ، قتَلتَه، أمَا واللهِ لرُبَّ شَحمٍ في بَطنِكَ من مالِه؛ لأنَّه كانَ يُنْفِقُ عليهما، فقالَ مُحيِّصةُ: واللهِ لو أمَرَني بقَتلِك الذي أمَرَني بقَتلِه لقتَلتُك، فقالَ له: لو أمَرَك مُحمدٌ بقَتلي لقَتلتَني؟ قالَ: نَعمْ، قالَ حُويِّصةُ: واللهِ إنَّ دِينًا يَبلُغُ منك هذا لدِينٌ مُعجِبٌ، فأسلَم حُويِّصةُ يَومَئِذٍ وأنشأ مُحيِّصةُ يَقولُ: