للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أين تَذهَبُ؟ إنَّكَ رَجلٌ مُحارِبٌ ولا يَنْزِلُ مِثلُكَ في مِثلِ هذه الساعةِ، قالَ: إنَّما هو أخي أبو نائِلةَ، واللهِ لو وجَدني نائِمًا ما أيقَظَني، ثم ضرَبَ بيَدِه المِلحَفةَ فنزَلَ وهو يَقولُ:

لو دُعي الفَتي لطَعنةٍ لأجابَا

ثم نزَلَ إليهم فحَيَّاهم، وتَحدَّثوا ساعةً، ثم انبسَطَ إليهم، فقالُوا: وَيحَكَ يا ابنَ الأشرَفِ، هل لكَ أنْ نَمشيَ إلى شَرجِ العَجوزِ فنَتحدَّثَ فيه بَقيةَ ليلَتِنا؟ فقالَ: نَعمْ، فخرَجُوا يَتمشَّونَ، فلمَّا تَوجَّهوا قِبَلَ الشَّرجِ أدخَلَ أبو نائِلةَ يَدَه في رأسِ كَعبٍ، وقالَ: وَيحَك يا ابنَ الأشرَفِ، ما أطيَبَ عِطرِك هذا، ثم مَشى ساعةً فعاد بمِثلِها، حتى إذا اطمأنَّ إليه أخَذَ بقُرونِ رأسِه وقالَ لأصحابِه: اقتُلوا عَدوَّ اللهِ، فضرَبوه بأسيافِهم، فالتَفَت عليه فلم تُغنِ شَيئًا يُعينُ، رَدَّ بَعضُها بَعضًا، قالَ مُحمدُ بنُ مَسلَمةَ: فذكَرَت مِغْوَلًا كانَ في سَيفي وهو يُشبِهُ الخِنجَرَ، فانتزَعتُه فوَضَعتُه في سُرَّتِه، ثم تَحامَلتُ عليه فغَطَطتُه، أي غَيَّبتُه فيه، حتى انتَهى إلى عانَتِه، فصاحَ عَدُوُّ اللهِ صَيحةً ما بَقيَ أُطمٌ من آطامِ اليَهودِ إلا أُوقِدت عليه نارٌ، وهذه عادةُ اليَهودِ يُوقِدون النارَ باللَّيلِ عندَ الفَزعِ، قالَ ابنُ سُنَينةَ -يَهوديٌ من يَهودِ بَني حارِثةَ-: إنِّي لأجِدُ رِيحَ دَمٍ بيَثرِبَ مَسفوحٍ، وذُكرَ في المَغازي أنَّه كانَ بينَه وبينَ ذلك المَوضِعِ مِقدارُ فَرسَخٍ قالَ: وقد أصابَ بعضُ القَومِ الحارِثَ بنَ أوسٍ بسَيفٍ وهم يَضربونَ كَعبًا فكلَمَه في رِجلِه -أي: جرَحه-، فلمَّا فرَغوا منه خَرجوا يَشتدُّونَ حتى أخَذوا على بَني أُمَيةَ، ثم على بَني قُرَيضةَ، ثم على بُعاثٍ، حتى إذا كانُوا بحَرةِ العَريضِ، وهذه أسماءُ الواضِعِ، نزَف الحارِثُ الدَّمَ، يَعني: كثُرَ سَيَلانُ

<<  <  ج: ص:  >  >>