للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِرعونَ وقَومِه نِعمةٌ عَظيمةٌ، وقيلَ: أي: في ذَبحِه أبناءَكم واستِحيائِه نِساءَكم مِحنةٌ عَظيمةٌ، ثم قالَ: حارَبَتْنا العَربُ ورَمَتْنا عن قَوسٍ واحِدةٍ وتَقطَّعتِ السُّبُلُ عنا، حتى جَهِدت الأبدانُ وضاعَ العيالُ، وأخَذْنا بالصَّدقةِ ولا نَجِدُ ما نَأكلُ، قالَ كَعبٌ: قَدْ واللهِ كُنْتُ أُحدِّثُك بهذا يا ابنَ سَلامةَ: إنَّ الأمرَ سَيصيرُ إلى هذا، قالَ سَلْكانَ: ومَعي رِجالٌ من أصحابي على مِثلِ رَأيي، وقد أرَدتُ أنْ آتيكَ بهم لنَبتاعَ مِنك طَعامًا وتَمرًا، وتُحسِنَ في ذلك إلينا ونَرهَنَك ما يَكونُ لكَ فيه ثِقةٌ، قالَ كَعبٌ: أمَا إنَّ رِفافي تَتقصَّفُ تَمرًا من عَجوةٍ يَغيبُ فيها الضِّرسُ، والرِّفافُ: جَمع الرَّفِّ، وهو المَوضِعُ الذي يُجمَعُ فيه التَّمرُ، شِبْهُ الخُنبُقِ، وقَولُه: تَتقصَّفُ، أي: تَتكسَّرُ من كَثرةِ ما فيها من التَّمرِ، ووصَف جَودَتَها بقَولِه: يَغيبُ فيها الضِّرسُ. قالَ: أمَا واللهِ يا أبا نائِلةَ ما كُنْتُ أُحبُّ أنْ أَرى هذه الخَصاصةَ -يَعني شِدةَ الحاجةِ- وإنْ كُنْتَ لمِن أكرَمِ الناسِ علَيَّ، فماذا تَرهَنون؟ أتَرهَنونني أبناءَكم ونِساءَكم؟ قالَ: لقد أرَدتَ أنْ تَفضَحَنا وتُظهِرَ أمرَنا، ولكنَّا نَرهَنُك من الحَلقةِ ما تَرضى به يا كَعبُ، قالَ: إنَّ في الحَلقةِ لوفاءً، يَعني السِّلاحَ، وإنَّما قالَ ذلك سَلْكانَ كَيلا يُنكِرَهم إذا جاؤُوا إلى السِّلاحِ، فرجَعَ أبو نائِلةَ من عِندِه على مِيعادٍ، فأتى أصحابَه وأجمَعوا أمرَهم على أنْ يأتوه إذا أمسَوْا، ثم أتَوْا رَسولَ اللهِ عِشاءً فأخبَروه، فمَشى معهم حتى أتى البَقيعَ، ثم وَجَّههم، وقالَ: امضوا على ذِكرِ اللهِ وعَونِه، ثم دعا لهم وذلك في ليلةٍ مُقمِرةٍ مثلِ النَّهارِ فمَضَوا حتى أتَوْه، فلمَّا انتَهَوْا إلى حِصنِه هتَف به أبو نائِلةَ، وكانَ ابنُ الأشرَفِ حَديثَ عَهدٍ بعُرسٍ، فوثَب، فأخذتِ امرأتُه بناحيةِ مِلحَفَتِه فقالَت:

<<  <  ج: ص:  >  >>