للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَعروفٍ فالظاهِرُ أنَّه افتعَلَ ذلك، وأنَّه لصٌّ مُغِيرٌ في دارِ الإسلامِ، فحينَ أخَذْناه احتالَ بذلك ليَتخلَّصَ من أيدينا، ولِهذا كانَ فَيئًا مع ما معه، وإنِ ادَّعى أنَّه دخَلَ بأمانٍ لم يُصدَّقَ، وهو فَيءٌ؛ لأنَّ حقَّ المُسلِمينَ قد ثبَتَ فيه حينَ تَمكَّنوا منه من غيرِ أمانٍ ظاهِرٍ له فلا يُصدَّقَ هو في إبطالُ حَقِّهم (١).

وأمَّا المالِكيةُ فقالُوا: إنْ أُخذَ الحَربيُّ حال كَونِه مُقبِلًا إلينا بأرضِهم، فقالَ: جِئتُ أطلُبُ الأمانَ منكم، أو أُخذَ بأرضِنا ومعه تِجارةٌ، وقالَ لنا: إنَّما دخَلتُ أرضَكم بلا أمانٍ؛ لأنَّي ظَنَنْتُ أنَّكم لا تَعرِضون لتاجِرٍ، أو أُخذَ بينَهما؛ أي بينَ أرضِنا وأرضِهم، وقالَ: جئتُ أطلُبُ الأمانَ؛ فيُرَدُّ في المَسائلِ الثَّلاثِ لمأمَنِه -أي: لمحَلِّ أمْنِه- ولا يَجوزُ قَتلُه ولا أسرُه ولا أخذُ مالِه.

وإنْ قامت قَرينةٌ على صِدقِه أو كَذِبه فعليها العَملُ؛ فإنْ قامت على كَذِبه فلا يُرَدُّ إلى مأمَنِه ويَرى الإمامُ فيه رأيَه من قَتلٍ أو استِرقاقٍ أو غيرِه، كما إذا لم يَدَّعِ شَيئًا من ذلك في المَسائلِ الثَّلاثِ.

وإنْ رُدَّ مُؤمَّنٌ تَوجَّه لبَلدِه قبلَ وُصولِه لها بريحٍ فعلى أمانِه الأولِ لا يُتعرَّضُ له حتى يَصلَ لبَلدِه أو لمأمَنِه؛ فإنْ رجَعَ بعدَ وُصولِه لها فقيل: فَيءٌ، وقيلَ: إنْ رجَعَ اختيارًا، وقيلَ: يُخيَّرُ الإمامُ في رَدِّه وإنزالِه (٢).


(١) «المبسوط» للسرخسي (١٠/ ٩٣).
(٢) «الشرح الكبير» (٢/ ١٨٦)، وانظر: «مواهب الجليل» (٣/ ٣٦١)، و «شرح مختصر خليل» (٣/ ١٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>