للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولأنَّ أهلَ دارِ الإسلامِ كلَّهم مَنَعةٌ واحِدةٌ؛ فإنَّهم يَذبُّونَ عن دِينٍ واحِدٍ، فكانَت يَدُه يَدَ الكُلِّ مَعنًى، كما إذا دخَلَ الغُزاةُ دارَ الحَربِ، فأخَذَ واحِدٌ منهم شَيئًا من أموالِ الكَفَرةِ؛ فإنَّ المأخوذَ يَكونُ غَنيمةً مَقسومةً بينَ الكُلِّ كذا هذا.

وقالَ أبو يُوسفَ ومُحمدٌ وأحمدُ في الرِّوايةِ الثانِيةِ: هو لمَن وجَدَه؛ لِما رَواه البُخاريُّ في صَحيحِه: بابُ الحَربِيِّ إذا دخَلَ دارَ الإسلامِ بغيرِ أمانٍ، عن سَلمةَ بنِ الأكوَعِ قالَ: «أتى النَّبيَّ عَينٌ من المُشرِكينَ وهو في سَفرٍ فجلَس عندَ أصحَابِه يَتحدَّثُ ثم انفتَلَ، فقالَ النَّبيُّ : اطلُبوهُ واقتُلوه، فقتَلَه فنفَّلَه سلَبَه» (١). فظاهِرُ الحَديثِ يَدلُّ على أنَّه لمَن وجَده؛ لأنَّ نَبيَّ اللهِ إنَّما أعطى سلَبَه لسَلمةَ بنِ الأكوَعِ وَحدَه؛ لأنَّه كانَ قتَلَه، ولأنَّ سَببَ المِلكِ وُجدَ من الآخِذِ خاصةً، فيَختصُّ بمِلكِه، كما إذا دخَلَت طائِفةٌ من أهلِ الحَربِ دارَ الإسلامِ، فاستَقبلَتْها سَريةٌ من أهلِ الإسلامِ فأخذَتْها، فإنَّهم يَختَصُّون بمِلكِها، والدَّليلُ على أنَّ سَببَ المِلكِ وُجدَ من الآخِذِ، خُصوصًا أنَّ السَّببَ هو الأخذُ والاستِيلاءُ هو إثباتُ اليَدِ، وقد وُجدَ ذلك حَقيقةً من الآخِذِ خاصةً، وأهلُ الدارِ إنْ كانَت لهم يَدٌ فهي يَدٌ حُكميةٌ، ويَدُ الحَربيِّ حَقيقيةٌ؛ لأنَّه حُرٌّ، والحُرُّ في يَدِ نَفسِه، واليَدُ الحُكميةُ لا تَصلُحُ مُبطِلةً لليَدِ الحَقيقيةِ؛ لأنَّها دونَها، ونَقْضُ الشَّيءِ بما هو مِثلُه أو بما هو فَوقَه لا بما هو دونَه، فأمَّا يَدُ الآخِذِ فيَدٌ حَقيقيةٌ وهي مُحِقةٌ ويَدُ الحَربيِّ مُبطِلةٌ، فجازَ إبطالُها بها (٢).


(١) رواه البخاري (٢٨٨٦).
(٢) انظر: «المبسوط» للسرخسي (١٠/ ٩٣)، و «بدائع الصنائع» (٧/ ١١٦)، و «شرح مشكل الآثار» (٨/ ٩، ١٠)، و «شرح ابن بطال على صحيح البخاري» (٥/ ٢١٣)، و «فتح الباري» (٦/ ١٦٨)، و «عمدة القاري» (١٤/ ٢٩٦)، و «المدونة الكبرى» (٣/ ١٠)، و «الشرح الكبير» (٢/ ١٨٦)، و «مواهب الجليل» (٣/ ٣٦١)، و «شرح مختصر خليل» (٣/ ١٢٣)، و «المغني» (٩/ ١٩٩)، و «الإنصاف» (٤/ ٢٠٧)، و «المبدع» (٣/ ٣٩٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>