للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الواحِدِ الذي جاءَ معهم صَحيحًا أدَّى إلى الغُرورِ؛ لأنَّهم فارَقوا مَنَعتَهم بِناءً على ذلك الأمانِ، وفي الجُندِ لا يُؤدِّي إلى هذا؛ لأنَّهم ما فارَقوا مَنَعتَهم بِناءً على أمانِه، بل هُمْ مُمتنِعون بشَوكَتِهم في دارِنا كما في دارِ الحَربِ، وعلى هذا لو أخرَجَهم هذا المُسلِمُ إلى عَسكرِ المُسلِمينَ في دارِ الحَربِ؛ فإنْ كانُوا بحيثُ لا يَمتنِعون من العَسكرِ فهُم آمِنونَ؛ لأنَّ قُوةَ العَسكرِ في هذا المَوضِعِ بعَسكرِ المُسلِمينَ فيَكونُ قاهِرًا لا مَقهورًا، إذا وصَل إلى عَسكرِ المُسلِمينَ، وإنْ كانُوا بحيثُ يَمتنِعون من العَسكرِ لكَثرَتِهم، فأمانُه لهم باطِلٌ وإنْ خرَجَ معهم لما بيَّنَّا.

ولو كانَ المُسلِمونَ حاصَروا حِصنًا وفيهم مُسلِمٌ فأمَّن قَومًا لا مَنَعةَ لهم وأخرَجَهم معه إلى العَسكرِ لم يَكونوا آمِنينَ بخِلافِ الأولِ؛ لأنَّ المَحصورينَ قد صاروا مَقهورينَ مِنْ وَجهٍ، فحالُهم كحالِ المَأْسورينَ، فلا يَصحُّ أمانُ المُسلِمِ لهم إذا كانَ فيهم، لما فيه من إبطالِ حقِّ المُسلِمينَ عليهم، بخِلافِ الأولِ، ولأنَّه لو جازَ هذا الأمانُ لم يَقدِرِ المُسلِمونَ على قَهرِهم بحالٍ؛ فإنَّهم إذا أيقَنوا بالقَهرِ أسلَمَ بَعضُهم، ثم أمَّنهم على أنْ يَخرجَ مع كلِّ نَفرٍ منهم، ولا يَجوزُ القَولُ بما يُؤدِّي إلى سَدِّ بابِ الاستِرقاقِ على المُسلِمينَ (١).

وقالَ الشافِعيةُ في الأصَحِّ: لا يَصحُّ أمانُ الأسيرِ المُقيَّدِ والمَحبوسِ لمَن هو معهم أو غيرِهم وإنْ لم يَكنْ مُكرَهًا؛ لأنَّه مَقهورٌ بأيديهم، أمَّا الأسيرُ غيرُ المُقيَّدِ فيَصحُّ.


(١) «السير الكبير» (٢/ ٥٣، ٥٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>