ألَا تَرى أنَّ هذا العَسكرَ لو دخَلوا دارَ الإسلامِ فدخَلَ إليهم مُسلِمٌ بأمانٍ ثم أمَّنَهم كانَ ذلك باطِلًا؟ لأنَّه غيرُ مُمتنِعٍ منهم، فكذلك إذا خرَجَ معهم من دارِ الحَربِ مُستديمًا لذلك الأمانِ، بخِلافِ ما لو أمَّنَ واحِدًا منهم وخرَجَ معه؛ لأنَّ الواحِدَ لا يَكونُ مَقهورًا بالواحِدِ بل يَمتنِعُ منه ويَنتصِفُ في الظاهِرِ فيَصحُّ أمانُه له، كما لو دخَلا دارَ الإسلامِ.
ولو كانَ أمَّنَ في دارِ الحَربِ عِشرين رَجلًا منهم، ثم خرَجَ معهم إلى دارِ الإسلامِ فهُم آمِنونَ بمَنزِلةِ ما لو أنشَأ الأمانَ لهذا العَددِ في دارِ الإسلامِ ابتِداءً؛ فإنْ قيلَ: هو غيرُ مُمتنِعٍ من هذا العَددِ أيضًا، بل هو مَقهورٌ بهم في الظاهِرِ، فيَنبَغي ألَّا يَصحَّ أمانُه، قُلنا: نَعمْ، هو مَقهورٌ باعتِبارِ نَفسِه، ولكنَّه قاهِرٌ مُمتنِعٌ بقُوةِ المُسلِمينَ؛ لأنَّ هؤلاء لا يَمتَنِعون من جَماعةِ المُسلِمينَ، والقُوةُ للمُسلِمِ في دارِ الإسلامِ بجَماعةِ المُسلِمينَ، فإذا لم يَكونوا مُمتنَعِين من جَماعةِ المُسلِمينَ كانَ هذا الرَّجلُ قاهِرًا لهم في دارِ الإسلامِ حُكمًا لا مَقهورًا بهم، فيَصحُّ أمانُه لهم، بخِلافِ الجُندِ؛ فإنَّهم مُمتنِعون مِنْ أهلِ دارِ الإسلامِ بشَوكَتِهم، فيَكونُ هو مَقهورًا فيهم في دارِنا كما في دارِ الحَربِ.
ألَا تَرى أنَّ القَومَ الذين لا مَنَعةَ لهم لو دخَلوا دارَنا بغيرِ أمانٍ وأخَذَهم قَومٌ من المُسلِمينَ كانُوا فَيئًا لجَماعةِ المُسلِمينَ؟ ولو أنَّ جُندًا عَظيمًا منهم دخَلوا دارَنا فقاتَلَهم قَومٌ من المُسلِمينَ حتى قهَروهم كانُوا لهم خاصةً.
وما كانَ الفَرقُ إلا بهذا، إنَّ الذين لهم مَنَعةٌ ما صاروا مَقهورينَ بحُصولِهم في دارِ الإسلامِ بخِلافِ الذين لا مَنَعةَ لهم، ثم تَحقَّق ما قُلنا: إنَّهم إذا لم يَكونوا مُمتنِعينَ من جَماعةِ المُسلِمينَ، فلو لم يُجعَلَ أمانُ