للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فذهَبَ الحَنفيةُ إلى أنَّه يَلزمُه وَحدَه ولا يَلزمُ عُمومَ المُسلِمينَ.

قالَ ابنُ نُجيمٍ الحَنفيُّ : (قَولُه -أي: النَّسفيِ في كَنزِ الدَّقائقِ-: وبطَلَ أمانُ ذِميٍّ وأسيرٍ وتاجِرٍ … )؛ لأنَّ الأسيرَ والتاجِرَ مَقهورانِ تحتَ أيديهم فلا يَخافونَهم، والأمانُ يَختصُّ بمَحلِّ الخَوفِ … وأراد بالأسيرِ والتاجِرِ المُسلِمِ: الذي في دارِ الحَربِ، فلو دخَلَ مُسلِمٌ دارَ الحَربِ وأمَّن جُندًا عَظيمًا فخرَجُوا معه إلى دارِ الإسلامِ وظفِرَ بهم المُسلِمونَ فهُم فَيءٌ، بخِلافِ ما إذا خرَجَ واحِدٌ منهم أو عِشرونَ مع المُسلِمِ بأمانٍ فهو آمِنٌ؛ لأنَّه في الأولِ مَقهورٌ معهم دون الثانِي وفي الذَّخيرةِ أرادَ بقَولِه:) لا يَصحُّ أمانُ الأسيرِ) لا يَصحُّ أمانُه في حقِّ باقي المُسلِمينَ حتى كانَ لهم أنْ يُغيروا عليهم، أمَّا أمانُه في حَقِّه فصَحيحٌ، وإذا صَحَّ أمانُه في حَقِّ نَفسِه صارَ حُكمُه وحُكمُ الداخِلِ فيهم بأمانٍ سَواءً، فلا يَأخذُ شَيئًا من أموالِهم بغيرِ رِضاهم، وكذلك لا يَأخذُ ما كانَ للمُسلِمينَ وصارَ مِلكًا لهم بالاستيلاءِ والإحرازِ بدارِهم، وما كانَ للمُسلِمينَ ولم يَصِرْ مِلكًا لهم بالاستيلاءِ لا بأسَ أنْ يأخُذَه ويُخرِجَه إلى دارِ الإسلامِ، وكذا قالَ في الذَّخيرةِ (١).

وقالَ مُحمدُ بنُ الحَسنِ في «السِّيرِ الكَبيرِ»: ولو أنَّ مُسلمًا في دارِ الحَربِ أمَّنَ جُندًا عَظيمًا فخَرجوا معه إلى دارِ الإسلامِ فظفِرَ بهم المُسلِمونَ كانُوا فَيئًا؛ لأنَّ هذا المُسلِمَ ليسَ مُمتنِعًا منهم في دارِ الإسلامِ ولا في دارِ الحَربِ، بل هو مَقهورٌ في المَوضِعَيْن بمَنَعتِهم، فيَكونُ أمانُه لهم باطِلًا.


(١) «البحر الرائق» (٥/ ٨٨)، و «المبسوط» (١٠/ ٧١)، و «حاشية ابن عابدين» (٤/ ١٣٧)، و «درر الحكام» (٣/ ٣٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>