القَولُ الثانِي: أنَّه لا يُقتَل، وهو قَولُ مُحمدِ بنِ الحَسنِ الشَّيبانِيِّ والصَّحيحُ من مَذهبِ الشافِعيةِ، إلا إذا كانَ شُرطَ عليه حينَ عَقدِ الذِّمةِ الكَفُّ عن التَّجسُّسِ فيُقتلُ على الراجِحِ في مَذهبِ الشافِعيِّ.
جاء في «شَرحِ السِّيَرِ الكَبيرِ» للسَّرخسيِّ ﵀: وكذلك لو فعَلَ هذا -أي: التَّجسُّسَ على عَوراتِ المُسلِمينَ- ذِميٌّ؛ فإنَّه يُوجَعُ عُقوبةً ويُستودَعُ السِّجنَ، ولا يَكونُ هذا نَقضًا منه للعَهدِ؛ لأنَّه لو فعَلَه مُسلِمٌ لم يَكنْ به ناقِضًا أمانةً، فإذا فعَلَه ذِميٌّ لا يَكونُ ناقِضًا أمانةً أيضًا.
(ألَا تَرى) أنَّه لو قطَعَ الطَّريقَ فقتَلَ وأخَذَ المالَ لم يَكنْ به ناقِضًا لعَهدِه، وإنْ كانَ قطَع الطَّريقَ مُحارَبةً مع اللهِ ﷾ ورَسولِه ﷺ بالنَّصِّ فهذا أوْلى.
وكذلك لو فعَلَه مُستأمَنٌ فينا؛ فإنَّه لا يَصيرُ ناقِضًا لأمانةٍ بمَنزِلةِ ما لو قطَعَ الطَّريقَ، إلا أنَّه يُوجَعُ عُقوبةً في جَميعِ ذلك؛ لأنَّه ارتكَبَ ما لا يَحِلُّ له، وقصَدَ بفِعلِه إلحاقَ الضَّررِ بالمُسلِمينَ؛ فإنْ كانَ حينَ طلَبَ الأمانَ قالَ له المُسلِمونَ: قد أمَّنَّاك إنْ لم تَكنْ عَينًا للمُشرِكينَ على المُسلِمينَ، أو أمَّنَّاك على أنَّكَ إنْ أخبَرتَ أهلَ الحَربِ بعَورةِ المُسلِمينَ فلا أمانَ لكَ، والمَسألةُ بحالِها فلا بأسَ بقَتلِه؛ لأنَّ المُعلَّقَ بالشَّرطِ يَكونُ مَعدومًا قبلَ وُجودِ الشَّرطِ، فقد علَّقَ أمانَه ههنا بشَرطِ ألَّا يَكونَ عَينًا، فإذا ظهَرَ أنَّه عَينٌ كانَ حَربيًّا لا أمانَ له، فلا بأسَ بقَتلِه.
وإنْ رأى الإمامُ أنْ يَصلُبَه حتى يَعتبِرَ به غيرُه فلا بأسَ بذلك.