للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا قُلنا: إنَّه لا يَكونُ به كافرًا، فهل يُقتَل به حَدًّا أو لا؟ فقالَ مالِكٌ: يَجتهِدُ فيه الإمامُ، وقد قالَ مالِكٌ: يُقتَل الجاسوسُ، وهو صَحيحٌ لإضرارِه بالمُسلِمينَ وسَعيِه بالفَسادِ في الأرضِ (١).

وقالَ شَيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميَّةَ : يَجوزُ قَتلُ الجاسوسِ المُسلِمِ إذا قصَدَ المَصلَحةَ، وهو قَولُ مالِكٍ وبَعضِ أصحابِ أحمدَ كابنِ عَقيلٍ (٢).

واستَدلَّ أصحابُ هذا القَولِ بقِصةِ حاطِبِ بنِ أبي بَلتَعةَ التي رَواها البُخاريُّ ومُسلِمٌ وغيرُهما عن عَلِيٍّ قالَ: «بعَثَني رَسولُ اللهِ وأبا مَرثَدٍ الغَنويَّ والزُّبيرَ بنَ العَوامِ وَكلُّنا فارِسٌ، قالَ: انطَلِقوا حتى تَأتوا رَوضةَ خاخٍ؛ فإنَّ بها امرأةً من المُشرِكينَ معها كِتابٌ من حاطِبِ بنِ أبي بَلتَعةَ إلى المُشرِكينَ، فأدرَكْناها تَسيرُ على بَعيرٍ لها حيثُ قالَ رَسولُ اللهِ ، فَقُلنا: الكِتابَ، فقالَت: ما معنا كِتابٌ، فأنخْناها فالتمَسنا فلم نَرَ كِتابًا، فقُلنا: ما كذَبَ رَسولُ اللهِ ، لتُخرِجِنَّ الكِتابَ أو لنُجرِّدنَّك، فلمَّا رَأتِ الجِدَّ أهوَت إلى حُجزَتِها وهي مُحتجِزةٌ بِكساءٍ فأخرَجَته، فانطَلَقنا بها إلى رَسولِ اللهِ ، فقالَ عُمرُ: يا رَسولَ اللهِ، قد خانَ اللهَ ورَسولَه والمُؤمِنينَ، فدَعْني فَلأضرِب عنُقَه، فقالَ النَّبيُّ : ما حمَلَك على ما صنَعَت؟ قالَ حاطِبٌ: واللهِ ما بي ألَّا أكونَ مُؤمِنًا بِاللهِ ورَسولِه ، أرَدتُ أنْ يَكونَ لي عندَ القَومِ يَدٌ يَدفَعُ اللهُ


(١) «أحكام القرآن» (٤/ ٢٢٥)، و «تفسير القرطبي» (١٨/ ٥٣).
(٢) «مجموع الفتاوى» (٣٥/ ٤٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>