للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بها عن أهلي ومالي، وليسَ أحدٌ من أصحابِك إلا له هُناكَ من عَشيرَتِه من يَدفَعُ اللهُ به عن أهلِه ومالِه، فقالَ النَّبيُّ : صدَقَ، ولا تَقولوا له إلا خَيرًا، فقالَ عُمرُ: إنَّه قد خانَ اللهَ ورَسولَه والمُؤمِنينَ، فدَعْني فلأَضرِب عنُقَه، فقالَ: أليسَ من أهلِ بَدرٍ؟ فقالَ: لعَلَّ اللهَ اطَّلعَ إلى أهلِ بَدرٍ فقالَ: اعمَلوا ما شِئتُم فقد وجَبَت لكُم الجَنةُ، أو فقد غَفرتُ لكم، فدمَعَت عَينا عُمرَ وقالَ: اللهُ ورَسولُه أعلَمُ» (١).

قالَ الحافِظُ ابنُ حَجرٍ : استَدلَّ باستِئذانِ عُمرَ على قَتلِ حاطِبِ لمَشروعيةِ قَتلِ الجاسوسِ ولو كانَ مُسلمًا، وهو قَولُ مالِكٍ ومَن وافَقه، ووَجهُ الدِّلالةِ أنَّه أقَرَّ عُمرَ على إرادةِ القَتلِ لولا المانِعُ، وبَيَّن المانِعَ وهو كَونُ حاطِبٍ شهِدَ بَدرًا، وهذا مُنتَفٍ في غيرِ حاطِبٍ، فلو كانَ الإسلامُ مانِعًا من قَتلِه لما علَّلَ بأخَصَّ منه (٢).

وقالَ ابنُ القَيمِ : فيه -أي: حَديثِ حاطِبٍ- جَوازُ قَتلِ الجاسوسِ وإنْ كانَ مُسلمًا؛ لأنَّ عُمرَ سألَ رَسولَ اللهِ قتْلَ حاطِبِ ابنِ أبي بَلتَعةَ لمَّا بعَثَ يُخبِرُ أهلَ مَكةَ بالخَبرِ ولم يَقلْ رَسولُ اللهِ : لا يَحِلُّ قَتلُه إنَّه مُسلِمٌ، بل قالَ: «وما يُدريك لعَلَّ اللهَ قد اطَّلعَ على أهلِ بَدرٍ فقالَ: اعمَلوا ما شِئتُم». فأجابَ بأنَّ فيه مانِعًا من قَتلِه وهو شُهودُه بَدرًا، وفي الجَوابِ بهذا كالتَّنبيهِ على جَوازِ قَتلِ جاسوسٍ ليسَ له


(١) رواه البخاري (٢٨٤٥، ٣٧٦٢)، ومسلم (٢٤٩٤).
(٢) «فتح الباري» (٨/ ٦٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>