للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من حاطِبِ بنِ أبي بَلتَعةَ لمَّا كاتَبَ المُشرِكينَ ببَعضِ أخبارِ النَّبيِّ ، وأنزَلَ اللهُ فيه: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ﴾ [u: ١] (١) .

أمَّا قَتلُ الجاسوسِ المُسلِمِ فاختَلفَ الفُقهاءُ فيه على خَمسةِ أقوالٍ:

القَولُ الأولُ: أنَّ الجاسوسَ المُسلِمَ لا يَجوزُ قَتلُه، لكنْ يُعاقَبُ عُقوبةً تَعزيريةً، وهو قَولُ الحَنفيةِ والشافِعيةِ والظاهِرُ من مَذهبِ الحَنابِلةِ.

يَقولُ أبو يُوسفَ وهو يُخاطِبُ هارونَ الرَّشيدَ: «وسأَلتَ يا أميرَ المُؤمِنينَ عن الجَواسيسِ؟ … يَقولُ أبو يُوسفَ في الجَوابِ: إنْ كانُوا من أهلِ الإسلامِ مَعروفينَ فأوجِعْهم عُقوبةً وأطِلْ حَبسَهم حتى يُحدِثوا تَوبةً» (٢).

وجاء في كِتابِ «شَرحِ السِّيَرِ الكَبيرِ»: وإذْ وجَدَ المُسلِمونَ رَجلًا ممَّن يَدَّعي الإسلامَ عَينًا للمُشرِكينَ على المُسلِمينَ يُكتَبَ إليهم بعَوراتِهم فأقرَّ بذلك طَوعًا؛ فإنَّه لا يُقتَلُ، ولكنَّ الإمامَ يُوجِعُه عُقوبةً، واستَدلَّ عليه بحَديثِ حاطِبِ بنِ أبي بَلتَعةَ؛ فإنَّه كتَبَ إلى قُريشٍ أنَّ رَسولَ اللهِ يَغزُوكم فخُذوا حِذْرَكم … الحَديثَ، إلى أنْ قالَ رَسولُ اللهِ : «مَهلًا يا عُمرُ فلَعلَّ اللهَ قد اطَّلعَ على أهلِ بَدرٍ فقالَ: اعمَلوا ما شِئتُم فقد غَفرتُ لكم». فلو كانَ بهذا كافرًا مُستوجِبًا للقَتلِ ما ترَكه رَسولُ اللهِ ، بَدريًّا كانَ أو غيرَ بَدريٍّ.


(١) «مجموع الفتاوي» (٧/ ٥٢٣).
(٢) «الخراج» لأبي يوسف ص (٢٠٥، ٢٠٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>