للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يَدخلُ في القِسمةِ؛ لأنَّه عندَ الأخذِ والأسرِ لمْ يَتعلَّقْ به حقُّ أحَدٍ، فكانَ الإسلامُ دافِعًا الحَقَّ، لا رافِعًا إيَّاه على ما بيَّنَّا (١).

وقالَ الزَّركشيُّ : إذا أسلَمَ الأسيرُ تَعيَّنَ رِقُّه، نَصَّ عليه أحمدُ وعليه الأصحابُ؛ لأنَّه أسيرٌ يَحرُمُ قَتلُه أشبَهَ المَرأةَ، وقالَ أبو مُحمدٍ في الكافي: يَسقُطُ القَتلُ ويُخيَّرُ فيه بينَ الثَّلاثةِ الأُخَرِ؛ لأنَّ القَتلَ امتنَعَ لمانِعٍ (٢).

وذهَبَ الشافِعيةُ في الأظهَرِ وهو قَولٌ للحَنابِلةِ -قالَ في «الإنصافِ»: هو المَذهبُ، ورجَّحَه ابنُ قُدامةَ- إلى أنَّ الإمامَ مُخيَّرٌ فيه بينَ سائرِ الخِصالِ، وهو ما يُفهَمُ من كَلامِ المالِكيةِ؛ فإنَّهم قالُوا: إنَّ الإمامَ مُخيَّرٌ في الأسيرِ الكافِرِ بينَ المَنِّ والفِداءِ والاستِرقاقِ ودَفعِ الجِزيةِ، فالمُسلِمُ من بابِ أوْلى يَتخيَّرُ فيه، لكنْ لا يَدفَعُ الجِزيةَ؛ لأنَّ الجِزيةَ لا تُفرَضَ على مُسلمٍ إجماعًا (٣).

قالَ الإمامُ النَّوويُّ : إذا أسلَمَ الأسيرُ وهو رَجلٌ حُرٌّ مُكلَّفٌ قبلَ أنْ يَختارَ الإمامُ فيه شَيئًا عُصِمَ دَمُه، وهل يَصيرُ رَقيقًا بالإسلامِ؟ فيه طَريقان: أصَحُّهما: على قَولَينِ: أحدُهما: نَعمْ؛ لأنَّه أسيرٌ مُحرَّمُ القَتلِ فأشبَهَ الصَّبيَّ، وأظهَرُهما: لا يُرَقُّ، بل للإِمامِ أنْ يستَرِقَّه أو يَمُنَّ أو يُفاديَ، والطَّريقُ الأُخرى: القَطعُ بالتَّخييرِ؛ لأنَّه كانَ ثابِتًا، فلا يَزولُ؛


(١) «بدائع الصنائع» (٧/ ١٢٢).
(٢) «شرح الزركشي» (٣/ ١٧٨)، و «الإنصاف» (٤/ ١٣٣).
(٣) «بداية المجتهد» (١/ ٧٩)، و «تفسير القرطبي» (٦/ ٢٢٧)، و «الذخيرة» (٣/ ٤١٥)، و «التاج والإكليل» (٣/ ٣٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>