للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا﴾ [التوبة: ٧٤] فعُلمَ أنَّ مَنْ أظهَرَ الإسلامَ والتَّوبةَ من الكُفرِ قُبِل ذلك منه (١).

ثم اختَلفَ الفُقهاءُ في الأسيرِ إذا أسلَمَ هل يَصيرُ رَقيقًا في الحالِ ويَزولُ التَّخييرُ فيه ويَصيرُ حُكمُه حُكمَ النِّساءِ والصِّبيانِ أو يَسقُطُ القَتلُ ويَتخيَّرُ فيه الإمامُ بينَ الخِصالِ الباقيةِ؟

فذهَبَ الحَنفيةُ والشافِعيُّ في أحَدِ قَولَيه وأحمدُ في رِوايةٍ إلى أنَّه يَصيرُ رَقيقًا في الحالِ ويَزولُ عنه التَّخييرُ ويَكونُ حُكمُه حُكمَ النِّساءِ والصِّبيانِ (٢).

قالَ الحَنفيةُ: فإنْ أسلَمَ الأسيرُ قبلَ أنْ يُقسِّمَ حرُمَ دَمُه وقُسِّمَ في الغَنيمةِ؛ لأنَّ القَتلَ عُقوبةٌ على الكُفرِ، فيَرتفِعُ بالإسلامِ، وأمَّا القِسمةُ فلأنَّ الإسلامَ لا يُنافي الاستِرقاقَ، ولا يَجوزُ أنْ يَرُدَّهم إلى دارِ الحَربِ؛ لأنَّ في ذلك تَقويةً لهم على المُسلِمينَ؛ فإنْ أسلَموا لا يَقتُلُهم، وله أنْ يَسترِقَّهم تَوفيرًا للمَنفَعةِ بعدَ انعِقادِ السَّببِ وهو الأخذُ، بخِلافِ إسلامِهم قبلَ الأخذِ؛ لأنَّه لم يَنعقِدِ السَّببُ بَعدُ (٣).

قالَ الكاسانِيُّ : لو أسلَمَ الأسيرُ في دارِ الحَربِ لا يَكونُ حُرًّا، ويَدخُلُ في القِسمةِ؛ لتَعلُّقِ حقِّ الغانِمينَ به بالأخْذِ نَفسِه والاستِيلاءِ نَفسِه، فاعتِراضُ الإسلامِ عليه لا يُبطِلُه بخِلافِ ما إذا أسلَمَ قبلَ الأسرِ يَكونُ حُرًّا،


(١) «الصارم المسلول» (٣/ ٦١٨).
(٢) «المغني» (٩/ ١٨٠)، و «شرح الزركشي» (٣/ ١٧٨)، و «الإنصاف» (٤/ ١٣٣).
(٣) «الجوهرة النيرة» (٢/ ٣٦٣)، و «الهداية شرح البداية» (٢/ ١٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>