للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعن شَدَّادِ بنِ أوْسٍ عن النَّبيِّ قالَ: «إنَّ اللهَ كتَبَ الإحسانَ على كلِّ شَيءٍ، فإذا قتَلتُم فأحسِنوا القِتلةَ، وإذا ذبَحتُم فأحسِنوا الذَّبحَ» رَواه النَّسائيُّ. وعن عبدِ اللهِ بنِ عامِرٍ (أنَّه قدِم على أبي بَكرٍ الصِّديقِ برأسِ البَطريقِ فأنكَر ذلك فقالَ: يا خَليفةَ رَسولِ اللهِ؛ فإنَّهم يَفعَلون ذلك بِنا؟ قالَ: فاستِنانٌ بفارِسَ والرُّومِ؟! لا يُحمَلْ إلَيَّ رأسٌ؛ فإنَّما يَكفي الكِتابُ والخبَرُ) (١).

وقالَ الزُّهريُّ: لم يُحمَلْ إلى النَّبيِّ رأسٌ قَطُّ.

وحُمِل إلى أبي بَكرٍ رأسٌ فأنكَرَه، وأوَّلُ مَنْ حُمِلت إليه الرُّؤوسُ عبدُ اللهِ بنُ الزُّبيرِ، ويُكرَهُ رَميُها في المَنجَنيقِ، نَصَّ عليه أحمدُ.

وإنْ فعَلوا ذلك لمَصلَحةٍ جازَ؛ لما رَوَينا أنَّ عَمرَو بنَ العاصِ حينَ حاصَرَ الإسكَندريةَ ظفِرَ برَجلٍ من المُسلِمينَ فأخَذوا رأسَه، فجاء قَومُه عَمْرًا مُغْضَبينَ، فقالَ لهم عَمرٌو: خُذوا رَجلًا منهم فاقطَعوا رأسَه، فارموا به إليهم في المَنجَنيقِ، ففَعلوا ذلك، فرَمى أهلُ الإسكَندريةِ رأسَ المُسلِمِ إلى قَومِه (٢).

وقد ذكَرَ الإمامُ الطَّحاويُّ الحَنفيُّ في «شَرحِ مُشكِلِ الآثارِ» في بابِ بَيانِ مُشكِلِ ما رُوي عن رَسولِ اللهِ في حَملِ رُؤوسِ القَتلى المَقتولين نَكالًا من بَلدٍ إلى بَلدٍ ومن ناحيةٍ إلى ناحيةٍ من الإباحةِ، وما رُوي عن أبي بَكرٍ مما يُخالِفُ ذلك، من الآثارِ الدَّالةِ والمانِعةِ في هذا.


(١) رواه البيهقي في «الكبرى» (١٨٨١٣)، والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (٧/ ٤٠٤).
(٢) «المغني» (٩/ ٢٦١)، و «كشاف القناع» (٣/ ٦١)، و «شرح منتهى الإرادات» (١/ ٦٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>