وذلك يَمنعُ رَدَّهم، ولأنَّ في قَتلِهم حَسمَ مادةِ الفَسادِ الكائِنِ منهم بالكُلِّيةِ إذا رَأى الإمامُ ذلك لمَا يُخافُ مِنْ غَدرِهم بالمُسلِمينَ، ولأنَّ الكافرَ يَصيرُ حَربًا علينا، ولأنَّ دَفعَ شَرِّ حِرابِهم خَيرٌ من تَخليصِ المُسلِم منهم؛ لأنَّ كَونَ المُسلِمِ في أيديهم ابتِلاءٌ من اللهِ تَعالى غيرُ مُضافٍ إلينا، ولأنَّ إعانَتَهم بدَفعِ الأسيرِ إليهم مُضافةٌ إلينا.
٢ - وإنْ شاءَ استَرقَّهم: سَواءٌ أسلَموا أو لم يُسلِموا إذا كانُوا ممَّن يَجوزُ استِرقاقُهم بأنْ لم يَكونوا من العَربِ؛ لأنَّ فيه دَفعَ شَرِّهم مع وُفورِ المَصلَحةِ لأهلِ الإسلامِ.
وأيُّ رَجلٍ من المُسلِمينَ قتَلَ أسيرًا في دارِ الإسلامِ أو في دارِ الحَربِ قبلَ أنْ يُقسَّموا وقبلَ أنْ يُسلَّموا فلا شَيءَ عليه من دِيةٍ ولا قيمةٍ ولا كَفارةٍ؛ لأنَّهم على أصلِ الإباحةِ؛ فإنْ قسَّمَهم الإمامُ أو باعَهم حَرُمت دِماؤُهم؛ فإنْ قتَلهم قاتِلٌ غُرِّم قيمَتَهم ووجَبَت عليه الكَفارةُ إذا قتَلَهم خَطَأً؛ لأنَّ القِسمةَ والبَيعَ تَقريرٌ للرِّقِّ فيهم، وإسقاطٌ لحُكمِ القَتلِ عنهم، فصارَ القاتِلُ جانِيًا كمَن قتَلَ عبدَ غيرِه، ولا يَجبُ عليه القَوَدُ؛ لأنَّ الإباحةَ التي كانَت هي في الأصلِ شُبهةً، والقِصاصُ يَسقُطُ بالشُّبهةِ.
فإنْ أسلَمَ الأسيرُ قبلَ أنْ يُقسَمَ حرُمَ دَمُه وقُسِّمَ في الغَنيمةِ؛ لأنَّ القَتلَ عُقوبةٌ على الكُفرِ، فيَرتفِعُ بالإسلامِ، وأمَّا القِسمةُ فلأنَّ الإسلامَ لا يُنافي الاستِرقاقَ.