للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَركُ إقامةِ هذا الفَرضِ، وسُورةُ «بَرَاءَةٌ» من آخِرِ ما نزَلَ فكانَت هذه الآيةُ قاضيةً على قَولِ اللهِ تَعالى: ﴿فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً﴾ [محمد: ٤] على ما فعَلَه رَسولُ اللهِ من مُفاداةِ الأسرى يَومَ بَدرٍ.

وكذلك قَولُ اللهِ تَعالى: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾ [البقرة: ١٩٣] فيَجبُ قَتلُهم، وذلك يَمنعُ رَدَّهم، ولأنَّ في قَتلِهم حَسمَ مادةِ الفَسادِ الكائِنِ منهم بالكُلِّيةِ، ولأنَّ الكافِرَ يَصيرُ حَربًا علينا، ولأنَّ دَفعَ شَرِّ حِرابِهم خَيرٌ من تَخليصِ المُسلِمِ منهم؛ لأنَّ كَونَ المُسلِمِ في أيديهم ابتِلاءٌ من اللهِ تَعالى غيرُ مُضافٍ إلينا، ولأنَّ إعانَتَهم بدَفعِ الأسيرِ إليهم مُضافةٌ إلينا، وإنْ شاءَ استَرَقَّهم؛ لأنَّ فيه دَفعَ شَرِّهم مع وُفورِ المَصلَحةِ لأهلِ الإسلامِ.

والمُعتمَدُ عندَ الحَنفيةِ أنَّه إذا أسَرَ عَسكَرُ المُسلِمينَ كُفارًا لا يُفادُون أُسارى المُسلِمينَ بأُسارى المُشرِكينَ لا بمالٍ ولا بغيرِ مالٍ؛ لأنَّ فيه تَقويةَ الكُفارِ علينا، ولأنَّ دَفعَ شَرِّ حَربِه خَيرٌ من استِنقاذِ أسيرِنا.

ولا يَجوزُ المَنُّ عليهم بأنْ يُطلِقَهم مَجانًا من غيرِ خَراجٍ ولا جِزيةٍ؛ لأنَّه بالأسرِ ثبَتَ حقُّ الاستِرقاقِ فيه، فلا يَجوزُ إسقاطُه بغيرِ مَنفَعةٍ وعِوَضٍ.

وقالُوا: الإمامُ في الأُسارى بالخِيارِ بينَ ثَلاثةِ أُمورٍ:

١ - إنْ شاءَ قتَلهم: إلَّا أنْ يُسلِموا؛ لقَولِ اللهِ تَعالى: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ [التوبة: ٥]، فعُمومُ هذا يَقتَضي القَتلَ في كلِّ مُشرِكٍ قبلَ الأسرِ وبعدَه إلَّا أنْ يُخصِّصَه دَليلٌ، وقَتلُه عندَ التَّمكُّنِ منه فَرضٌ مُحكَمٌ، وفي المُفاداةِ تَركُ إقامةِ هذا الفَرضِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>