للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكلُّ ذلك بَيانُ ما تضَمَّنه القُرآنُ، فيَكونُ على هذا جَميعُ الآياتِ مُحكَمةً.

أمَّا آيةُ السَّيفِ في «بَرَاءَةٌ» وكلُّ آيةٍ في مِثلِ مَعناها، فتُحمَلُ على نَسخِ المُوادَعةِ وإيجابِ القَتلِ والقِتالِ حالَ مُمانَعةِ العَدوِّ، وهذا الوَجهُ أرجَحُ الأقوالِ؛ لأنَّ اعتِقادَ النَّسخِ لا يَحسُنُ إلا حيثُ يَقومُ عليه الدَّليلُ بالتَّوقيفِ ونَحوِه، أو حيثُ لا يُمكِنُ الجَمعُ ألبَتةَ ويُعلَمُ المُتأخِّرُ مع ذلك، فيَكونُ هو الناسِخَ كما تَقدَّمَ ذِكرُه، فإذا تَقرَّر ذلك فالأسرى يَجوزُ فيهم للإمامِ القَتلُ والمَنُّ والفِداءُ، وكذلك الاستِرقاقُ (١).

وأمَّا الحَنفيةُ فقالَ أبو يُوسفَ ومُحمدٌ: يَجوزُ مُفاداةُ الأسرى بأسرى المُسلِمينَ؛ لأنَّ في عَودِ المُسلِمينَ إلينا عَونًا لنا، ولأنَّ تَخليصَ المُسلِمِ أوْلى مِنْ قَتلِ الكُفارِ، وقد قالَ تَعالى: ﴿فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً﴾ [محمد: ٤].

وأمَّا المَنُّ فقالَا عنه: لا يَجوزُ إطلاقُهم مَجانًا ولو بعدَ إسلامِهم لتَعلُّقِ حَقِّ الغانِمينَ.

وقالَ أبو حَنيفةَ : لا يَجوزُ المَنُّ ولا الفِداءُ، ويَتعيَّنُ إمَّا قَتلُ الأسيرِ أو استِرقاقُه؛ لقَولِ اللهِ تَعالى: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ [التوبة: ٥].

فعُمومُ هذا يَقتَضي القَتلَ في كلِّ مُشرِكٍ قبلَ الأسرِ وبعدَه، إلَّا أنْ يُخصِّصَه دَليلٌ، وأنَّ قَتْلَه عندَ التَّمكُّنِ منه فَرضٌ مُحكَمٌ، وفي المُفاداةِ


(١) انظر: «الحاوي الكبير» (٨/ ٤١٠)، و «الإنجاد في أبواب الجِهاد» (٢٤٤) وما بعدَها.

<<  <  ج: ص:  >  >>