للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ مُجاهِدٌ: حتى لا يَبقَى في الأرضِ دِينٌ غيرُ الإسلامِ، فكانَ المَنُّ أو الفِداءُ صَريحًا في هذه الآيةِ، وليسَ لهم نَسخُ ذلك بقَولِ اللهِ تَعالى: ﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ [التوبة: ٥] لأمرَينِ:

أحدُهما: أنَّه إذا أمكَن استِعمالُ الآيتَيْن لم يَجزْ أنْ تَنسَخَ إحداهُما الأُخرى، واستِعمالُهما مُمكِنٌ في جَوازِ الكُلِّ، ويُعتبَرُ كلُّ واحِدٍ منهما باجتِهادِ الإمامِ ورأيِه.

والثانِي: أنَّ الأمرَ بالقَتلِ على وَجهِ الإباحةِ دونَ الوُجوبِ، وإباحَتُه لا تَمنَعُ من العُدولِ عنه إلى غيرِه، ويَدلُّ على جَوازِ المَنِّ خاصةً أنَّ النَّبيَّ قالَ في أسرى بَدرٍ: «لو كانَ المُطعِمُ بنُ عَديٍّ حَيًّا ثم كَلَّمني في هؤلاء النَّتْنى لترَكتُهم له» (١).

ويُعضِّدُ هذا ما ثبَتَ من قَتلِ النَّبيِّ عُقبةَ بنَ أبي مُعَيطٍ والنَّضرَ بنَ الحارِثِ من جُملةِ أسرى بَدرٍ، واستحياءِ آخَرينَ، ومن قَتْلِ بَني قُريظةَ، وقد مَنَّ على أهلِ خَيبَرَ فلم يَقتُلْهم، افتتَحَها عَنوةً فقَسَّم أرضَها، ومَنَّ على رِجالِهم فترَكهم عُمَّالًا في الأرضِ والنَّخلِ على الشَّطْرِ، حتى أخرَجَهم عُمرُ حينَ استَغنى عنهم.

«وفدَى النَّبيُّ رَجلَينِ مِنْ المُسلِمينَ برَجلٍ مِنْ المُشرِكينَ من بَني عُقَيلٍ» (٢). فدلَّ ذلك كلُّه على جَوازِ القَتلِ والمَنِّ والفِداءِ،


(١) رواه البخاري (٢٩٧٠).
(٢) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: أخرجه أحمد (١٩٨٤٠)، والشافعي في «الأم» (٤/ ١٨٩، ٢٣٩) و (٧/ ٣٤٨)، والترمذي (١٥٦٨)، والنسائي في «الكبرى» (٨٦٦٤)، من حَديثِ عِمرانَ ابنِ حُصينٍ، به.

<<  <  ج: ص:  >  >>