وغيرِهم، فيُؤمَرون بالصبْرِ عليه، وفي تَبوكَ أُمِروا بالإغلاظِ للكُفارِ والمُنافِقينَ، فلم يَتمكَّنْ بَعدَها كافِرٌ ولا مُنافِقٌ من أذاهم في مَجلِسٍ خاصٍّ ولا عامٍّ، بل ماتَ بغَيظِه لعِلمِه بأنَّه يُقتَل إذا تَكلَّمَ، وقد كانَ بعدَ بَدرٍ لليَهودِ استِطالةٌ وأذًى للمُسلِمينَ إلى أنْ قُتلَ كَعبُ بنُ الأشرَفِ.
قالَ مُحمدُ بنُ إسحاقَ في حَديثِه عن مُحمدِ بنِ مَسلَمةَ قالَ:«فأصبَحنا وقد خافَت يَهودٌ لوَقعَتِنا بعَدُوِّ اللهِ، فليسَ بها يَهوديٌّ إلا وهو يَخافُ على نَفسِه».
ورَوى بإسنادِه عن مُحيِّصةَ أنَّ رَسولَ اللهِ ﷺ قالَ:«مَنْ ظفِرتم به من رِجالِ يَهودَ فاقتُلُوه»، فوثَبَ مُحيِّصةُ بنُ مَسعودٍ على ابنِ سُليمةَ -رَجلٌ من تُجَّارِ يَهودَ، كانَ يُلابِسُهم ويُبايِعُهم- فقتَله، وكانَ حُويِّصةُ بنُ مَسعودٍ إذْ ذاك لم يُسلِمْ، وكانَ أسَنَّ من مُحيِّصةَ، فلمَّا قتَله جعَلَ حُويِّصةُ يَضرِبُه ويَقولُ: أيْ عَدوَّ اللهِ، قتَلتَه؟! أمَا واللهِ لرُبَّ شَحمٍ في بَطنِك من مالِه، فوَاللهِ إنْ كانَ لأوَّلَ إسلامِ حُويِّصةَ، فقالَ مُحيِّصةُ: فقُلتُ له: واللهِ لقد أمَرَني بقَتلِه مَنْ لو أمَرَني بقَتلِك لضَربتُ عُنقَك، فقالَ: لو أمَرَك مُحمدٌ بقَتلِي لقتَلتَني؟ فقالَ مُحيِّصةُ: نَعمْ واللهِ، فقالَ حُويِّصةُ: واللهِ إنَّ دِينًا بلَغ هذا منكَ لعَجبٌ.
وذكَرَ غيرُ ابنِ إسحاقَ: أنَّ اليَهودَ حذَرَت وذلَّت وخافَت من يَومِ قَتلِ ابنِ الأشرَفِ، فلمَّا أتَى اللهُ بأمرِه الذي وعَدَه مِنْ ظُهورِ الدِّينِ وأعَزَّ المُؤمنين أمَرَ رَسولَه بالبَراءةِ إلى المُعاهَدينَ وبقِتالِ المُشرِكينَ كافةً وبقِتالِ أهلِ الكِتابِ حتى يُعطوا الجِزيةَ عن يَدٍ وهم صاغِرونَ.