للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكانَ ذلك عاقبةَ الصبْرِ والتَّقوى اللَّذينِ أمَرَ اللهُ بهما في أولِ الأمرِ، وكانَ إذْ ذاك لا يُؤخَذُ من أحَدٍ من اليَهودِ الذين بالمَدينةِ، ولا غيرِهم جِزيةٌ، وصارَت تلك الآياتُ في حَقِّ كلِّ مُؤمِنٍ مُستضعَفٍ لا يُمكِنُه نَصرُ اللهِ ورَسولِه بيَدِه ولا بلِسانِه فيَنتصِرُ بما يَقدِرُ عليه من القَلبِ ونَحوِه، وصارَت آيةُ الصَّغارِ على المُعاهَدين في حَقِّ كلِّ مُؤمِنٍ قَويٍّ يَقدِرُ على نَصرِ اللهِ ورَسولِه بيَدِه أو لسانِه.

وبهذه الآيةِ ونَحوِها كانَ المُسلِمونَ يَعمَلون في آخِرِ عُمرِ رَسولِ اللهِ وعلى عَهدِ خُلفائِه الراشِدين، وكذلك هو إلى قيامِ الساعةِ لا تَزالُ طائِفةٌ من هذه الأُمةِ قائِمين على الحَقِّ يَنصُرون اللهَ ورَسولَه النَّصرَ التَّامَّ.

فمَن كانَ من المُؤمِنينَ بأرضٍ هو فيها مُستضعَفٌ أو في وَقتٍ هو فيه مُستضعَفٌ فليَعمَلْ بآيةِ الصبْرِ والصَّفحِ عمَّن يُؤذي اللهَ ورَسولَه من الذين أُوتُوا الكِتابَ والمُشرِكينَ.

وأمَّا أهلُ القُوةِ؛ فإنَّما يَعمَلون بآيةِ قِتالِ أئِمةِ الكُفرِ الذين يَطعَنون في الدِّينِ وبآيةِ قِتالِ الذين أُوتوا الكِتابَ حتى يُعطوا الجِزيةَ عن يَدٍ وهم صاغِرونَ (١).

وقد ذكَرَ الإمامُ ابنُ القَيمِ في مَراحلِ تَشريعِ الجِهادِ فقالَ:

فأقامَ -أي: النَّبيُّ بِضعَ عَشرةَ سَنةً بعدَ نُبوَّتِه يُنذِرُ بالدَّعوةِ بغيرِ قِتالٍ ولا جِزيةٍ، ويُؤمَرُ بالكَفِّ والصبْرِ والصَّفحِ، ثم أذِنَ له في


(١) «الصارم المسلول» (٢/ ٤١٠، ٤١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>