أنزَلَ اللهُ ﷿ «بَرَاءةٌ» فأتى اللهُ بأمرِه وقَضائِه فقالَ تَعالى: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ﴾ [التوبة: ٢٩] الآيةَ، قالَ: فنَسخَت هذه الآيةُ ما كانَ قبلَها، وأمَرَ اللهُ فيها بقِتالِ أهلِ الكِتابِ حتى يُسلِموا أو يُقرُّوا بالجِزيةِ صَغارًا ونِقمةً لهم.
وكذلك ذكَرَ موسى بنُ عُقبةَ عن الزُّهريِّ: أنَّ النَّبيَّ ﷺ لمْ يَكنْ يُقاتِلُ مَنْ كَفَّ عن قِتالِه؛ لقَولِ اللهِ تَعالى: ﴿فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا (٩٠)﴾ [النساء: ٩٠] إلى أنْ نزَلَت «بَرَاءَةٌ».
وجُملةُ ذلك أنَّه لمَّا نَزلَت «بَرَاءَةٌ» أمَرَ أنْ يَبتدئَ جَميعَ الكُفارِ بالقِتالِ وَثَنيَّهم وكِتابِيَّهم سَواءٌ كَفُّوا عنه -أي عن قِتالِه- أو لم يَكفُّوا، وأنْ يَنبِذَ إليهم تلك العُهودَ المُطلَقةَ التي كانَت بينَه وبينَهم، وقيلَ له فيها: ﴿جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ﴾ [التوبة: ٧٣] بعدَ أنْ كانَ قد قيلَ له: ﴿وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ﴾ [لقمان: ٤٨].
ولهذا قالَ زَيدُ بنُ أسلَمَ: نَسخَت هذه الآيةُ ما كانَ قبلَها، فأمَّا قبلَ «بَرَاءَةٌ» وقبلَ بَدرٍ فقد كانَ مَأمورًا بالصبْرِ على أذاهم والعَفوِ عنهم، وأمَّا بعدَ بَدرٍ وقبلَ «بَرَاءَةٌ» فقد كانَ يُقاتِلُ مَنْ يُؤذِيه ويُمسِكُ عمَّن سالَمَه كما فعَلَ بابنِ الأشرَفِ وغيرِه ممَّن كانَ يُؤذِيه، فبَدرٌ كانَت أساسَ عِزِّ الدِّينِ، وفَتحُ مَكةَ كانَت كَمالَ عِزِّ الدِّينِ، فكانُوا قبلَ بَدرٍ يَسمَعونَ الأذَى الظاهِرَ ويُؤمَرونَ بالصبْرِ عليه، وبعدَ بَدرٍ يُؤذَوْن في السِّرِّ من جِهةِ المُنافِقينَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute