للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم أُمرَ بالبَداءةِ بالقِتالِ مُطلَقًا في الأزمانِ كلِّها وفي الأماكِنِ بأسْرِها فقالَ تَعالى: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾ [الأنفال: ٣٩] الآيةَ، ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [التوبة: ٢٩] الآيةَ (١).

وقالَ الإمامُ الزُّبيديُّ : قَولُه: «وقِتالُ الكُفارِ واجِبٌ علينا وإنْ لم يَبدَؤُونا»؛ لأنَّ قِتالَهم لو وقَفَ على مُبادأتِهم لنا لكانَ على وَجهِ الدَّفعِ، وهذا المَعنى يُوجَدَ في المُسلِمينَ إذا حصَلَ من بَعضِهم لبَعضِ الأذيةِ، وقِتالُ المُشرِكينَ مُخالِفٌ لقِتالِ المُسلِمينَ (٢).

وقالَ الإمامُ الكاسانِيُّ : والأصلُ فيه أنَّ كلَّ مَنْ كانَ مِنْ أهلِ القِتالِ يَحِلُّ قَتلُه، سَواءٌ قاتَلَ أو لم يُقاتلْ، وكلُّ مَنْ لم يَكنْ من أهلِ القِتالِ لا يَحِلُّ قَتلُه إلا إذا قاتَلَ حَقيقةً أو مَعنًى بالرأيِ والطاعةِ والتَّحريضِ، وأشباهُ ذلك على ما ذكَرْنا (٣).

وقالَ الإمامُ القُرطبيُّ : قَولُ اللهِ تَعالى: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (١٩٣)[البقرة: ١٩٣] أمْرٌ بالقِتالِ لكلِّ مُشرِكٍ في كلِّ مَوضِعٍ على مَنْ رآها ناسِخةً، ومَن رآها غيرَ ناسِخةٍ قالَ: المَعنى: قاتِلوا هؤلاء الذين قالَ اللهُ فيهم: فإنْ قاتَلُوكم، والأولُ أظهَرُ وهو أمرٌ بقِتالٍ مُطلَقٍ لا بشَرطِ أنْ يَبدأَ الكُفارُ، دَليلُ ذلك قَولُ اللهِ تَعالى: ﴿وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ﴾ وقالَ : «أُمِرتُ أنْ


(١) «العناية شرح الهداية» (٧/ ٤٣٧، ٤٣٨).
(٢) «الجوهرة النيرة» (٦/ ٦٦).
(٣) «بدائع الصنائع» (٧/ ١٠١).

<<  <  ج: ص:  >  >>