والواجِبُ عندَ اختِلافِ العُلماءِ طَلبُ الدَّليلِ من الكِتابِ والسُّنةِ والإِجماعِ والقياسِ على الأُصولِ منها، وذلك لا يُعدَمُ، فإنِ استَوَت الأدِلةُ وجَبَ المَيلُ مع الأَشبهِ بما ذكَرنا بالكِتابِ والسُّنةِ، فإذا لم يَبِنْ ذلك وجَبَ التَّوقُّفُ ولم يَجُزِ القَطعُ إلا بيَقينٍ (١).
ولم أجِدْ فيما وقَفتُ عليه من كَلامٍ أحسَنَ ولا أجمَلَ ولا أدَقَّ من كَلامِ شَيخِ الإِسلامِ أَحمدَ بنِ عَبدِ الحَليمِ، ابنِ تَيميةَ ﵀ في هذا المَوضوعِ في رِسالتِه الماتِعةِ «رَفع المَلام عن الأئِمةِ الأَعلامِ» التي تكلَّمَ فيها بكَلامٍ هو غايةٌ في النَّفاسةِ في هذا البابِ، وكيف استَطاعَ ﵀ أنْ يُوقِفَنا على أهَمِّ هذه الأَسبابِ بمُنتَهى السُّهولةِ والسَّلاسةِ، وأنا أحبَبتُ أنْ أذكُرَ كَلامَه هنا؛ ليَسترشدَ به طَلبةُ العِلمِ وغيرُهم من أهلِ الحَقِّ، حتى لا يُساءَ إلى بَعضِهم بدونِ عِلمٍ خُصوصًا في أَيامِنا هذه، التي شَنَّ فيها العِلمانِيونَ واللِّبرالِيونَ وغيرُهم حَربًا عليهم وعلى الدِّينِ، وأَساؤُوا إلى العُلماءِ الرَّبانيِّينَ من الأئِمةِ المَهديِّينَ؛ لأنَّهم اختَلَفوا في الأَحكامِ، ولا يَعلمُ هؤلاء أنَّ اختِلافَهم في الأَحكامِ كانَ من رَحمةِ رَبِّ البَرياتِ على هذه الأُمةِ المَيمونةِ المُباركةِ.
قالَ شَيخُ الإِسلامِ ابنُ تَيميةَ ﵀:
الحَمدُ للهِ على آلائِه وأشهَدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وَحدَه لا شَريكَ له في أرضِه وسَمائِه، وأشهَدُ أنَّ مُحمدًا عَبدُه ورَسولُه وخاتَمُ أَنبيائِه صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وأَصحابِه صَلاةً دائِمةً إلى يَومِ لِقائِه وسلَّمَ تَسليمًا.