في نَفيِ الحَقائقِ، فقد صارَ الخِلافُ المَوجودُ في العالَمِ كما تَرى أوضَحَ الدَّلائلِ على كَونِ البَعثِ الذي يُنكِرُه المُنكِرونَ، ويُنازِعُ فيه المُلحِدونَ الكافِرونَ.
وليس غَرضي من هذا المَوضوعِ أنْ أَتكلَّمَ في الأَسبابِ التي أوجَبَت الخِلافَ الأعظَمَ بينَ مَنْ سلَفَ وخلَفَ من الأُممِ، وإنَّما غَرضي أنْ أذكُرَ الأَسبابَ التي أوجَبَت الخِلافَ بينَ أهلِ مِلَّتِنا الحَنيفيةِ التي جعَلَنا اللهُ تَعالى من أَهلِها، وهَدانا إلى واضِحِ سُبلِها، حتى صارَ من فُقهائِهم الحَنفيُّ المالِكيُّ والشافِعيُّ والحَنبليُّ ومن ذَوي مَقالاتِهم، ولا غَرضي أيضًا أنْ أَحصُرَ أَصنافَ المَذاهبِ والآراءِ وأُناقضَ ذَوي البِدعِ المُضلِّلةِ والأَهواءِ؛ لأنَّ هذا الفَنَّ من العِلمِ قد سبقَ إليه ونبهَ في مَواضِعَ كَثيرةٍ عليه، وإنَّما غَرضي أنْ أُنبِّهَ على المَواضعِ التي منها نشَأَ الخِلافُ بينَ العُلماءِ حتى تَبايَنوا في المَذاهبِ والآراءِ (١).
لأنَّ مَعرفةَ أَسبابِ اختِلافِ الفُقهاءِ من أهَمِّ المَسائلِ التي تَدفعُ الشُّكوكَ عن المَذاهبِ الفِقهيةِ، وتُوقِفُ العالِمَ وطالِبَ العِلمِ على مَسالِكِ الأئِمةِ في الاجتِهادِ والمُوازنةِ بينَها، ولتَطمئنَّ النَّفسُ إلى ما تَميلُ إليه من الأَحكامِ الشَّرعيةِ، وكما قالَ الإِمامُ أبو عَمرِو بنُ عبدِ البَرِّ ﵀: