وبعدُ؛ فيَجبُ على المُسلِمينَ -بعدَ مُوالاةِ اللهِ ورَسولِه ﷺ مُوالاةُ المُؤمِنينَ كما نطَقَ به القُرآنُ، خُصوصًا العُلماءَ الذين هُمْ وَرثةُ الأَنبياءِ، الذين جعَلَهم اللهُ بمَنزلةِ النُّجومِ، يُهتَدى بهم في ظُلماتِ البَرِّ والبَحرِ. وقد أجمَعَ المُسلِمونَ على هِدايتِهم ودِرايَتِهم.
إذْ كلُّ أُمةٍ قبلَ مَبعثِ مُحمدٍ ﷺ عُلماؤُها شِرارُها، إلا المُسلِمينَ، فإنَّ عُلماءَهم خيارُهم، فإنَّهم خُلفاءُ الرَّسولِ ﷺ في أُمتِه، والمُحيونَ لمَا ماتَ من سُنَّتِه، بهم قامَ الكِتابُ وبه قاموا، وبهم نطَقَ الكِتابُ وبه نَطَقوا.
وليُعلَمْ أنَّه ليسَ أحدٌ من الأئِمةِ المَقبولين -عندَ الأُمةِ قَبولًا عامًّا-يَتعمَّدُ مُخالَفةَ رَسولِ اللهِ ﷺ في شَيءٍ من سُنتِه، دَقيقٍ ولا جَليلٍ.
فإنَّهم مُتَّفِقونَ اتِّفاقًا يَقينيًّا على وُجوبِ اتِّباعِ الرَّسولِ ﷺ، وعلى أنَّ كلَّ أحدٍ من الناسِ يُؤخذُ من قَولِه ويُتركُ، إلا رَسولَ اللهِ ﷺ.
ولكنْ إذا وُجدَ لواحِدٍ منهم قَولٌ، قد جاءَ حَديثٌ صَحيحٌ بخِلافِه، فلا بدَّ له من عُذرٍ في تَركِه.
وجَميعُ الأَعذارِ ثَلاثةُ أَصنافٍ:
أحدُها: عَدمُ اعتِقادِه أنَّ النَّبيَّ ﷺ قالَه.
والثاني: عَدمُ اعتِقادِه إرادةَ تلك المَسألةِ بذلك القَولِ.
والثالِثُ: اعتِقادُه أنَّ ذلك الحُكمَ مَنسوخٌ.
وهذه الأَصنافُ الثَّلاثةُ تَتفرَّعُ إلى أَسبابٍ مُتعدِّدةٍ: