غيرَ عَدلٍ، فليُبارِزْ وليُقاتلْ بغيرِ إذْنِه. قُلتُ له: والمُبارَزةُ والقِتالُ عندَكم واحِدٌ؟ قالَ: نَعمْ. قالَ ابنُ رُشدٍ: وهذا كَما قالَ: إنَّ الإمامَ إذا كانَ غيرَ عَدلٍ لم يَلزمْهم استِئذانُه في مُبارَزةٍ ولا قِتالٍ؛ إذْ قد يَنهاهم عن غِرةٍ قد ثَبتَت له على غيرِ وَجهِ نَظرٍ يَقصِدُه لقَولِه:«غيرَ عَدلٍ» في أمورِه، فيَلزمُه طاعَتُه؛ فإنَّما يفتَرِقُ العَدلُ من غيرِ العَدلِ في الاستِئذانِ له، لا في طاعَتِه إذا أمَرَ بشَيءٍ أو نَهى عنه؛ لأنَّ الطاعةَ للإمامِ من فَرائضِ الغَزوِ فواجِبٌ على الرَّجلِ طاعةُ الإمامِ فيما أحَبَّ أو كرِهَ، وإنْ كانَ غيرَ عَدلٍ ما لم يَأمُرْه بمَعصيةٍ.
وفي سَماعِ أصبَغَ: وسَمِعتُ ابنَ القاسِمِ وسُئلَ عن ناسٍ يَكونون في ثَغرٍ من وَراءِ عَورةِ المُسلِمينَ هل يُخرِجونَ سَراياهم لغِرةٍ يَطمَعونَ بها من عَدوِّهم من غيرِ إذْنِ الإمامِ والإمامُ منهم على أيَّامٍ؟ قالَ: إنْ كانَت تلك الغِرةُ بَيِّنةً قد ثبَتَت لهم منهم ولم يَخافُوا أنْ يُلقُوا بأنفُسِهم فلا أَرى بأسًا، وإنْ كانُوا يَخافونَ أنْ يَلقَوْا ما لا قُوةَ لهم به أنْ يُطلَبوا فيُدرَكوا فلا أُحبُّ ذلك لهم.
قالَ ابنُ رُشدٍ ﵀: إنَّما جازَ لهم أنْ يُخرِجوا سَراياهم لغِرةٍ تَبيَّنت لهم بغيرِ إذْنِ الإمامِ لكَونِه غائِبًا عنهم على مَسيرةِ أيَّامٍ، ولو كانَ حاضِرًا معهم لم يَجزْ لهم أنْ يُخرِجوها بغيرِ إذْنِه إذا كانَ عَدلًا.
وجَميعُ هذه الأسمِعةِ في كِتابِ الجِهادِ، ونقَلها ابنُ عَرفةَ إثْرَ الكَلامِ المُتقدِّمِ. قالَ في التَّوضيحِ ابنُ المَوَّازِ: ولا يَجوزُ خُروجُ جَيشٍ إلا بإذنِ الإمامِ.