من أميرِ سَريةٍ قلَّده الإمامُ وبعَثَه؛ لأنَّهم رَضُوا به أميرًا عليهم، ورِضاهم مُعتبَرٌ في حَقِّهم، فصارَ أميرَهم باتِّفاقِهم عليه، ألَا تَرى أنَّ الإمامةَ العُظمى كما تَثبُتُ باستِخلافِ الإمامِ الأعظمِ تَثبُتُ باجتِماعِ المُسلِمينَ على واحِدٍ؟ والأصلُ فيه إمامةُ الصِّديقِ ﵁ فكذلك الإمارةُ على أهلِ السَّريةِ تَثبُتُ باتِّفاقِهم كما تَثبُتُ بتَقليدِ الإمامِ، ألَا تَرى أنَّ أهلَ البَغيِ لو أمَّرُوا عليهم أميرًا ودخَلوا دارَ الحَربِ فنفَلَ أميرُهم شَيئًا ثم تابُوا جازَ ما نفَله أميرُهم باعتِبارِ المَعنى الذي ذكَرْنا؟ (١)
وأمَّا المالِكيةُ فيُفرِّقون بينَ أنْ يَكونَ الإمامُ قَريبًا فيَستأذِنُوه، وبينَ أنْ يَكونَ بَعيدًا فلا يَجبَ عليهم استِئذانُه، وبينَ ما إذا كانَ سيَمنعُهم الإمامُ من الجِهادِ أو يَأذنُ لهم، وبينَ ما إذا كانَ الإمامُ عَدلًا فلا يَجوزُ إلا بإذْنِه، وبينَ أنْ يَكونَ غيرَ عَدلٍ فيَجوزَ بغيرِ إذْنِه، فجاءَ في «مَواهِبِ الجَليلِ» للحَطابِ: مَسألةٌ: قالَ ابنُ عَرفةَ الشَّيخُ عن المَوَّازيةِ: أيُغزَى بغيرِ إذنِ الإمامِ؟ قالَ: أمَّا الجَيشُ والجَمعُ فلا، إلا بإذْنِ الإمامِ وتَوليةِ وَالٍ عليهم، وسهَّلَ مالِكٌ لمَن قرُبَ من العَدوِّ يَجدُ فُرصةً ويَبعدُ عليه الإمامُ محمدٌ كمَن هو منه على يَومٍ، ونَحوِه، ولِابنِ مُزَينٍ عن ابنِ القاسِمِ: إنْ طمِعَ قَومٌ بفُرصةٍ في عَدوٍّ قُربَهم وخَشُوا إنْ أعلَموا إمامَهم منَعَهم فواسِعٌ خُروجُهم وأُحبُّ استِئذانَهم إيَّاه، ثم قالَ ابنُ حَبيبٍ: سَمِعت أهلَ العِلمِ يَقولون: إنْ نَهى الإمامُ عن القِتالِ لمَصلحةٍ حُرِّمَت مُخالَفتُه إلا أنْ يَدهَمَهم العَدوُّ.
(١) «شرح السير الكبير» (٢/ ٨٠٤).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute