فقالُوا: إذا دخَلَ واحِدٌ أو اثنانِ دارَ الحَربِ مُغيرَينِ بغيرِ إذنِ الإمامِ فأخَذا شَيئًا لم يُخمَّسْ؛ لأنَّه ليسَ بغَنيمةٍ؛ إذِ الغَنيمةُ هي المَأخوذةُ قَهرًا وغلَبَ ةً لا اختِلاسًا وسَرِقةً، وأمَّا إذا دخَلَ الواحِدُ والاثنانِ بإذنِ الإمامِ ففيه رِوايَتانِ: والمَشهورُ أنَّه يُخمَّسُ والباقي لمَن أصابَه، والرِّوايةُ الأُخرى: لا يُخمَّسُ؛ لأنَّه مَأخوذٌ على طَريقِ التَّلصُّصِ، والرِّوايةُ الأُولى أصَحُّ؛ لأنَّه لمَّا أذِنَ لهم الإمامُ التزَمَ نُصرَتَهم فكانَ المَأخوذُ بظَهرِه لا بالتَّلصُّصِ.
وإنْ دخَلَ جَماعةٌ لهم مَنَعةٌ فأخَذوا شَيئًا خُمِّسَ، وإنْ لم يَأذنْ لهم الإمامُ؛ لأنَّ الجَماعةَ لها مَنَعةٌ، فكانَ المَأخوذُ قَهرًا وغَنيمةً، وإنْ كانُوا جَماعةً لا مَنَعةَ لهم، ودخَلوا بغيرِ إذنِ الإمامِ، وأخَذوا شَيئًا لم يُخمَّسْ؛ لأنَّ المَأخوذَ ليسَ بغَنيمةٍ؛ إذِ الغَنيمةُ ما أُخِذت بالغَلبةِ والقَهرِ، وهؤلاء كاللُّصوصِ؛ لأنَّهم يَستسرُّونَ بما يَأخُذونَه، وإذا لم يَكنْ غَنيمةً فما أخَذه كلُّ واحِدٍ منهم فهو له لا يُشارِكُه فيه صاحِبُه؛ لأنَّه مَأخوذٌ على أصلِ الإباحةِ كالصَّيدِ والحَشيشِ (١).
وجاءَ في «السيرِ الكَبيرِ» لمُحمدِ بنِ الحَسَنِ ﵀: لو أنَّ قَومًا من المُسلِمينَ لهم مَنَعةٌ أمَّرُوا أميرًا ودخَلوا دارَ الحَربِ مُغيرِين بغيرِ إذنِ الإمامِ فأصابوا غَنائمَ خُمِّسَ ما أصابوا، وكانَ ما بَقيَ بينَهم على سِهامِ الغَنيمةِ؛ لأنَّه باعتِبارِ مَنَعتِهم يَكونُ المالُ مَأخوذًا على وَجهِ إعزازِ الدِّينِ، فيَكونُ حُكمُه حُكمَ الغَنيمةِ؛ فإنْ نفَلَ أميرُهم فذلك جائِزٌ منه على الوَجهِ الذي كانَ يَجوزُ
(١) «الجوهرة النيرة» (٢/ ٣١٧)، و «الهداية شرح البداية» (٢/ ١٤٩)، و «العناية شرح الهداية» (٨/ ٢٣).