إذا كانَ لكَراهةِ قِتالِ أهلِ دِينِه فلا يُطيعُه ما لم يَخفْ عليه الضَّيعةَ؛ إذْ لو كانَ مُعسِرًا مُحتاجًا إلى خِدمتِه فُرضَت عليه، ولو كافرًا، وليسَ من الصَّوابِ تَركُ فَرضِ عَينٍ ليُتوصَّلَ إلى فَرضِ كِفايةٍ.
وإنْ لم يَكنْ له أبَوانِ وله جَدٌّ أو جَدةٌ لم يَجزْ أنْ يُجاهِدَ من غيرِ إذنِهما؛ لأنَّهما كأبوَينِ في البِرِّ، ولو أذِنَ له جَدُّه لأبيه وجَدتُه لأمِّه، ولمْ يأذَنْ له أبو الأمِّ وأمُّ الأبِ، فصرَّحَ الحَنفيةُ بأنَّه لا بأسَ بخُروجِه؛ لقيامِ أبي الأبِ وأمِّ الأمِّ مَقامَ الأبِ والأمِّ عندَ فَقدِهما، والآخَران كباقي الأجانبِ إلا إذا عُدمَ الأوَّلانِ.
وإنْ كانَ له أبٌ وجَدٌّ، أو أمٌّ وجَدةٌ، فذهَبَ الشافِعيةُ في الأصَحِّ -وهو رأيٌ عند الحَنابِلةِ- إلى أنَّه يَلزمُه استِئذانُ الجَدِّ مع الأبِ، واستِئذانُ الجَدةِ مع الأُمِّ؛ لأنَّ وُجودَ الأبوَينِ لا يُسقِطُ بِرَّ الجَدَّينِ، ولا يُنقِصُ شَفقتَهما عليه.
وذهَبَ الحَنابِلةُ في المَذهبِ والشافِعيةُ في قَولٍ إلى أنَّه لا يَلزمُه؛ لأنَّ الأبَ والأمَّ يَحجُبان الجَدَّ والجَدةَ عن الوِلايةِ والحَضانةِ.
وإنَّما يَجبُ استِئذانُ الأبوَينِ في الجِهادِ إذا لم يَكنْ مُتعيَّنًا، ولكنْ إذا تَعيَّنَ عليه الجِهادُ فلا إذْنَ لهما من غيرِ خِلافٍ بينَ الفُقهاءِ؛ لأنَّه صارَ فَرضَ عَينٍ، وصار تَركُه مَعصيةٌ، ولا طاعةَ لأحدٍ في مَعصيةِ اللهِ.
قالَ ابنُ قُدامةَ ﵀: مَسألةٌ: قالَ: «وإذا خُوطبَ بالجِهادِ فلا إذْنَ لهما، وكذلك كلُّ الفَرائضِ لا طاعةَ لهما في تَركِها».