للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خِفافًا وثِقالَا، شَبابًا وشُيوخًا، كلٌّ على قَدرِ طاقَتِه … ؛ فإنْ عجَزَ أهلُ تلك البَلدةِ عن القيامِ بعَدوِّهم كانَ على مَنْ قارَبَهم وجاوَرَهم أنْ يَخرُجوا على حسَبِ ما لزِمَ أهلَ تلك البَلدةِ حتى يَعلَموا أنَّ منهم طاقةً على القيامِ بهم ومُدافَعتِهم. وكذلك كلُّ مَنْ علِمَ بضَعفِهم عن عَدوِّهم، وعلِمَ أنَّه يُدرِكُهم ويُمكِنُه غِياثُهم لزِمَه أيضًا الخُروجُ إليهم، فالمُسلِمونَ كلُّهم يَدٌ على مَنْ سِواهم حتى إذا قامَ بدَفعِ العَدوِّ أهلُ الناحيةِ التي نزَلَ العَدوُّ عليها واحتَلَّ بها سقَطَ الفَرضُ عن الآخَرينَ، ولو قارَبَ العَدوُّ دارَ الإسلامِ ولم يَدخلوها لزِمَهم أيضًا الخُروجُ إليه حتى يَظهَرَ دِينُ اللهِ وتُحمَى البَيضةُ وتُحفظَ الحَوزةُ ويُخزَى العَدوُّ، ولا خِلافَ في هذا (١).

٣ - إذا استَنفرَ الإمامُ فَردًا أو فِئةً مُعيَّنةً: لزِمَهم النَّفيرُ معه ويَتعيَّنُ عليهم الجِهادُ بذلك، ولا يَحِلُّ لهم التَّخلُّفُ إلا مَنْ له عُذرٌ قاطِعٌ؛ لقَولِ اللهِ تَعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (٣٨) إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٩)[التوبة: ٣٨، ٣٩] فدلَّت هذه الآيةُ على وُجوبِ النَّفيرِ على كلِّ مَنْ استَنفرَه الإمامُ أو نائِبُه، وأنَّ مَنْ تَخلَّفَ عن النَّفيرِ هنا مُهدَّدٌ بالعَذابِ الأليمِ واستِبدالِ غيرِه به.


(١) «تفسير القرطبي» (٨/ ١٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>