للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أذِنَ في تَركِ الجِهادِ ابتِداءً لطَلبِ العَدوِّ الذي قسَّمَهم فيه إلى قاعِدٍ وخارِجٍ، بل ذَمَّ الذين يَستأذِنُون النَّبيَّ ﴿يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ﴾ [لقمان: ١٣] (١).

وقالَ الإمامُ ابنُ عبدِ البَرِّ : الجِهادُ يَنقَسِمُ أيضًا إلى قِسمَينِ:

أحدُهما: فَرضٌ عامٌّ مُتعيَّنٌ على كلِّ أحَدٍ ممَّن يَستطيعُ المُدافَعةَ والقِتالَ وحمْلَ السِّلاحِ من البالِغينَ الأحرارِ، وذلك أنْ يَحِلَّ العَدوُّ بدارِ الإسلامِ مُحارِبًا لهم، فإذا كانَ ذلك وجَبَ على جَميعِ أهلِ تلك الدارِ أنْ يَنفِروا ويَخرُجوا إليه خِفافًا وثِقالَا وشَبابًا وشُيوخًا، وألَّا يَتخلَّفَ أحَدٌ يَقدِرُ على الخُروجِ من مُقاتِلٍ أو مُكثِرٍ، وإنْ عجَزَ أهلُ تلك البَلدةِ عن القيامِ بعَدوِّهم كانَ على مَنْ قارَبهم وجاورَهم أنْ يَخرُجوا قَلُّوا أو كَثُروا على حسَبِ ما لزِمَ أهلَ تلك البَلدةِ حتى يَعلَموا أنَّ فيهم طاقةً على القيامِ بهم ومُدافَعتِهم، وكذلك كلُّ مَنْ علِمَ بضَعفِهم عن عَدوِّهم، وعلِمَ أنَّه يُدرِكُهم ويُمكِنُه غِياثُهم لزِمَه أيضًا الخُروجُ إليهم، فالمُسلِمونَ كلُّهم يَدٌ على مَنْ سِواهم حتى إذا قامَ بدَفعِ العَدوِّ أهلُ الناحيةِ التي نزَلَ العَدوُّ عليها واحتَلَّ بها سقَطَ الفَرضُ عن الآخَرينَ، ولو قارَبَ العَدوُّ دارَ الإسلامِ ولم يَدخُلوها لزِمَهم أيضًا الخُروجُ إليه (٢).

وقالَ الإمامُ القُرطبيُّ : وإذا تَعيَّنَ الجِهادُ بغَلبةِ العَدوِّ على قُطرٍ من الأقطارِ … وجَبَ على جَميعِ أهلِ تلك الدارِ أنْ يَنفِروا، ويَخرُجوا إليه


(١) «مجموع الفتاوى» (٢٨/ ٤٥٨، ٤٥٩)، و «السياسة الشرعية» ص (١٠٨).
(٢) «الكافي» ص (٢٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>