للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما ذكَرَه الفُقهاءُ حمَلوه على العادةِ الغالِبةِ، وهي أنَّ الأموالَ والعَددَ لا تَتأتَّى لتَجهيزِ الجُنودِ في السَّنةِ أكثَرَ من مَرةٍ، ثم إنْ تَمكَّنَ الإمامُ من بَثِّ الأجنادِ للجِهادِ في جَميعِ الأطرافِ، فعَلَ؛ وإلا يَبدأْ بالأهَمِّ فالأهَمِّ، ويَنبَغي له أنْ يَرعى النُّصفةَ بالمُناوَبةِ بينَ الأجنادِ في الإغزاءِ، ويَسقُطُ الوُجوبُ في هذا الضَّربِ بأعذارٍ (١).

وقالَ الإمامُ البُجيرِميُّ : «قَولُه: أو بأنْ يَدخلَ الإمامُ … إلخ» ظاهِرُه سُقوطُ الفَرضِ بأحَدِ الأمرَينِ إمَّا بإِشحانِ الثُّغورِ وإمَّا بدُخولِ الإمامِ أو نائِبِه، قالَ: وهو المَذهبُ، لكنَّ شَيخَنا البُرلُّسيَّ رَدَّ ذلك، وله فيه تَصنيفٌ، أقامَ فيه البَراهينَ على أنَّه لا بدَّ من اجتِماعِ الأمرَينِ، وعرَضه على جَمعٍ كَثيرٍ من أهلِ عَصرِه من مَشايِخِه وغيرِهم فوافَقوا على ذلك (٢).

وقالَ إمامُ الحَرمَينِ أبو المَعالي الجُوينيُّ : وقد قالَ طَوائفُ من الفُقهاءِ: الجِهادُ من فُروضِ الكِفاياتِ، فإذا قامَ به مَنْ فيه كِفايةٌ سقَطَ الفَرضُ عن الباقِينَ، وإنْ تَعطَّلَ الجِهادُ حَرِجَ الكافَّةُ على تَفاصيلَ مَعروفةٍ في مَسالِكِ الفِقهِ.

ثم قالُوا: يَجبُ أنْ يَنهَضَ إلى كلِّ صَوبٍ من أصوابِ بِلادِ الكُفرِ في الأقطارِ عندَ الاقتِدارِ عَسكَرٌ جَرَّارٌ في السَّنةِ مَرةً واحِدةً، وزعَموا أنَّ الفَرضَ يَسقُطُ بذلك.


(١) «روضة الطالبين» (١٠/ ٢٠٩، ٢١٠)، و «مغني المحتاج» (٤/ ٢١٠).
(٢) «حاشية البجيرمي على المنهج» (٤/ ٣٣٣)، و «حاشية الجمل» (٥/ ١٨٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>