للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا عِندي ذُهولٌ عن التَّحصيلِ، فيَجبُ إدامةُ الدَّعوةِ القَهريةِ فيهم على حسَبِ الإمكانِ، ولا يَتخصَّصُ ذلك بأمَدٍ مَعلومٍ بالزَّمانِ، فإنِ اتَّفقَ جِهادٌ في جِهةٍ ثم صادَف الإمامَ من أهلِ تلك الناحيةِ غِرةٌ واستمكَن من فُرصةٍ وتَيسَّرَ إنهاءُ عَسكَرٍ إليهم تَعيَّنَ على الإمامِ أنْ يَفعلَ ذلك، ولو استَشعرَ من رِجالِ المُسلِمينَ ضَعفًا ورأى أنْ يُهادِنَ الكُفارَ عَشرَ سِنينَ ساغَ ذلك فالمُتَّبِعُ في ذلك الإمكانُ لا الزَّمانُ.

ولكنَّ كَلامَ الفُقهاءِ مَحمولٌ على الأمرِ الوَسَطِ القَصدِ في غالِبِ العُرفِ؛ فإنَّ جُنودَ الإسلامِ إذا لمْ يَلحَقْها وَهنٌ، ولمْ يَتجاوَزْ عَددُهم وعُددُهم المَعروفَ في مُستمِرِّ العُرفِ، فإذا غزَوْا فِرقًا وأحزابًا في أقطارِ الدِّيارِ، فكابَدوا من الشَّقاءِ والعِنادِ ووَعثاءِ الأسفارِ، ومُصادَمةِ أبطالِ الكُفارِ ما كابَدوا، وعَضَّهم السِّلاحُ، وفَشا فيهم الجِراحُ، وهَزُلت دَوابُّهم وتَبتَّرت أسبابُهم؛ فالغالِبُ أنَّهم لا يَقوَوْن على افتِتاحِ غَزوةٍ أُخرى، ما لم يَتودَّعوا سَنةً؛ فجَرى ما ذكَرُوه على حُكمِ الغالِبِ، فأمَّا إذا كثُرَ عَددُ جُندِ الإسلامِ، واستَمكَنَ الإمامُ من تَجهيزِ جَيشٍ بعدَ انصِرافِ جَيشٍ، فليَفعَل ذلك جادًّا مُجتهِدًا عالِمًا بأنَّه مَأمورٌ بمُكافحةِ الكُفارِ ما بَقي منهم في أقاصِي الدِّيارِ دِيارٌ، ثم لا يُؤثَرُ لذَوي البأسِ والنَّجدةِ من المُسلِمينَ الاستِئثارُ والانفِرادُ والاستِبدادُ بالأنفُسِ في الجِهادِ، بل يَنبَغي أنْ يَصدُروا عن رأي صاحِبِ الأمرِ، حتى يَكونَ كالِئَهم، ورِدْأَهم ومُراعيَهم مِنْ وَرائِهم فلا يَضيعوا في غالِبِ الظُّنونِ (١).


(١) «غياث الأمم» ص (١٥٥، ١٥٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>