للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدُها: يَحتمِلُ أن يَكونَ المَخوفُ افتِراضَ قيامِ اللَّيلِ، بمَعنى جَعلِ التَّهجُّدِ في المَسجدِ جَماعةً شَرطًا في صحَّةِ التَّنفُّلِ باللَّيلِ، ويُومئُ إليه قولُه في حَديثِ زَيدِ بنِ ثابِتٍ: «حتى خَشِيتُ أَنْ يُكتَبَ عَلَيكُم، وَلَو كُتِبَ عَلَيكُم مَا قُمتُم بِه؛ فَصَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ في بُيُوتِكُم»؛ فمنعَهم مِنْ التَّجمُّعِ في المَسجدِ إشفاقًا عليهم مِنْ اشتِراطِه، وأُمِنَ مع إذنِه في المُواظَبةِ على ذلك في بُيوتِهم مِنْ افتِراضِه عليهم.

ثانيها: يَحتمِلُ أن يَكونَ المَخوفُ افتِراضَ قيامِ اللَّيلِ على الكِفايةِ، لا على الأعيانِ؛ فلا يَكونُ ذلك زائِدًا على الخَمسِ، بل هو نَظيرُ ما ذَهب إليه قَومٌ في العيدِ، ونحوِها.

ثالثُها: يَحتمِلُ أن يَكونَ المَخوفُ افتِراضَ قيامِ رَمضانَ خاصَّةً؛ فقد وقعَ في حَديثِ البابِ أنَّ ذلك كان في رَمضانَ، وفي رِوايةِ سُفيانَ بنِ حُسَينٍ: «خَشِيتُ أَنْ يُفرَضَ عَلَيكُم قِيَامُ هذا الشَّهرِ»؛ فعلى هذا يَرتَفِعُ الإشكالُ؛ لأنَّ قيامَ رَمضانَ لا يَتكرَّرُ كلَّ يَومٍ في السَّنةِ؛ فلا يَكونُ ذلك قَدرًا زائِدًا على الخَمسِ، وأقوى هذه الأوجُهِ الثَّلاثةِ في نَظَري الأوَّلُ، واللهُ أعلَمُ بالصَّوابِ (١).

وقد وردَ تَعيينُ اللَّيالي التي قامَها النَّبيُّ بأصحابِه عندَ أبي داودَ وغيرِه مِنْ حَديثِ أبي ذَرٍّ قالَ: «صُمنَا مع رَسولِ اللهِ رَمضَانَ، فلَم يَقُم بِنَا شَيئًا مِنْ الشَّهرِ حتى بَقيَ سَبعٌ، فَقامَ بِنَا


(١) «فتح الباري» (٣/ ١٣، ١٤)، ويُنظر: «عُمدة القاري» (٧/ ١٧٦)، و «شرح الزرقاني» (١/ ٣٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>