للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ طَريقِ إنشاءِ فَرضٍ جَديدٍ زائِدٍ على الخَمسِ، وهذا كما يُوجِبُ المَرءُ على نَفسِه صَلاةَ نَذرٍ، فتَجِبُ عليه، ولا يَلزمُ مِنْ ذلك زِيادةُ فَرضٍ في أصلِ الشَّرعِ، قالَ: وفيه احتِمالٌ آخَرُ، هو أنَّ اللهَ فَرَضَ الصَّلاةَ خَمسينَ، ثم حَطَّ مُعظَمَها بشَفاعةِ نَبِيِّه ، فإذا عادَتِ الأمَّةُ فيما استُوهِبَ لها والتَزَمت ما استَعفَى لهم نَبِيُّهم منه لم يُستَنكَر أن يثبُتَ ذلك فَرضًا عليهم، كما التَزَم ناسٌ الرَّهبانيَّةَ مِنْ قِبَلِ أنفُسِهم، ثم عابَ اللهُ عليهمُ التَّقصيرَ فيها، فقال: ﴿فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا﴾ [الحديد: ٢٧]، فخَشيَ أن يَكونَ سَبيلُهم سَبيلَ أولئكَ؛ فقطعَ العملَ؛ شَفَقةً عليهم مِنْ ذلك. وقد تلَقَّى هذَينِ الجَوابَينِ مِنْ الخطَّابيِّ جَماعةٌ مِنْ الشُّرَّاحِ، كابنِ الجَوزيِّ، وهو مَبنيٌّ على أنَّ قيامَ اللَّيلِ كان واجِبًا عليه ، وعلى وُجوبِ الاقتِداءِ بأفعالِه، وفي كُلٍّ مِنْ الأمرَينِ نِزاعٌ.

وأجابَ الكَرمانيُّ بأنَّ حَديثَ الإسراءِ يدلُّ على أنَّ المُرادَ بقولِه تَعالى: ﴿مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ﴾ [ق: ٢٩]، الأمنُ مِنْ نَقصِ شَيءٍ مِنْ الخَمسِ، ولم يَتعرَّض لِلزِّيادةِ. انتَهى. لكنَّ في ذكرِ التَّضعيفِ بقولِه: «هي خَمسٌ، وَهُنَّ خَمسُونَ»، إشارةً إلى عدمِ الزِّيادةِ أيضًا؛ لأنَّ التَّضعيفَ لا يَنقُصُ عن العَشرِ. ودَفَعَ بَعضُهم في أصلِ السُّؤالِ بأنَّ الزَّمانَ كان قابِلًا للنَّسخِ، فلا مانِعَ مِنْ خَشيةِ الافتِراضِ، وفيه نَظرٌ؛ لأنَّ قولَه: ﴿مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ﴾ [ق: ٢٩] خَبرٌ، والنَّسخُ لا يَدخلُه على الرَّاجحِ، وليس هو قولَه مَثَلًا لهم: «صُومُوا الدَّهرَ أَبَدًا»؛ فإنَّه يَجوزُ فيه النَّسخُ، وقد فَتَحَ الباري بثلاثةِ أجوِبةٍ أُخرى:

<<  <  ج: ص:  >  >>