للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

داوَمَ عليها، فافتُرِضت. وقيلَ: خَشِيَ أن يَظُنَّ أحَدٌ مِنْ الأمَّةِ مِنْ مُداومَتِه عليها الوُجوبَ، وإلى هذا الأخيرِ نَحا القُرطُبيُّ، فقال: قولُه: «فَتُفرَضَ عَلَيكُم»، أي: تَظُنُّونَه فَرضًا، فيَجِبَ على مَنْ ظَنَّ ذلك، كما إذا ظَنَّ المُجتهِدُ حِلَّ شَيءٍ أو تَحريمَه، فإنَّه يجبُ عليه العملُ به، قالَ: وقيلَ: كان حكمُ النَّبيِّ أنَّه إذا واظَبَ على شَيءٍ مِنْ أعمالِ البرِ واقتَدى النَّاسُ به فيه، أنَّه يُفرَض عليهم. انتَهى. ولا يَخفَى بُعدُ هذا الأخيرِ؛ فقد واظَبَ النَّبيُّ على رَواتِبِ الفَرائِضِ، وتابعَه أصحابُه، ولم تُفرَض.

وقال ابنُ بطَّالٍ: يَحتمِلُ أن يَكونَ هذا القولُ صَدَرَ منه لمَّا كانَ قيامُ اللَّيلِ فَرضًا عليه دونَ أُمَّتِه، فخَشيَ إن خرَج إليهم والتَزَموا معه قيامَ اللَّيلِ أن يُسوِّيَ اللهُ بينَه وبينَهم في حُكمِه؛ لأنَّ الأصلَ في الشَّرعِ المُساواةُ بينَ النَّبيِّ وبينَ أُمَّتِه في العِبادةِ.

قال: ويَحتمِلُ أن يَكونَ خَشيَ مِنْ مُواظَبتِهم عليها أن يَضعُفوا عنها، فيَعصيَ مَنْ تَرَكها بتَركِ اتِّباعِه ، وقدِ استَشكلَ الخطَّابيُّ أصلَ هذه الخَشيةِ، مع ما ثَبت في حَديثِ الإسراءِ، مِنْ أنَّ اللهَ تعالى قال: «هي خَمسٌ، وَهُنَّ خَمسُونَ، لَا يُبَدَّلُ القولُ لَدَيَّ»، فإذا أُمِنَ التَّبديلُ، فكيفَ يَقعُ الخَوفُ مِنْ الزِّيادةِ، وهذا يَدفَعُ في صُدورِ الأجوِبةِ التي تَقدَّمت، وقد أجابَ عنه الخطَّابيُّ بأنَّ صَلاةَ اللَّيلِ كانت واجِبةً عليه ، وأنَّ أفعالَه الشَّرعيةَ يجبُ على الأمَّةِ الاقتِداءُ به فيها، يَعني عندَ المُواظَبةِ؛ فتركَ الخُروجَ إليهم؛ لِئلَّا يَدخُلَ ذلك في الواجِبِ مِنْ طَريقِ الأمرِ بالاقتِداءِ به، لا

<<  <  ج: ص:  >  >>