للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللَّيالي، ولم يُواظِب عليها، وبيَّن العُذرَ في تَركِ المُواظَبةِ، وهو خَشيةُ أن تُكتَبَ عليهم؛ فيَعجِزوا عنها، فعَن عائِشةَ أنَّها قالت: «صلَّى رَسولُ اللهِ ذَاتَ لَيلَةٍ في المَسجدِ، فَصلَّى بِصَلاتِه نَاسٌ، ثم صلَّى مِنْ القابِلَةِ، فَكَثُرَ النَّاسُ، ثم اجتَمَعُوا مِنْ اللَّيلَةِ الثَّالثَةِ، أوِ الرَّابعَةِ، فلم يَخرُج إِلَيهِم رَسولُ اللهِ ، فلمَّا أصبَحَ قالَ: قد رأيتُ الذي صَنَعتُم، ولم يَمنَعنِي مِنْ الخُرُوجِ إِلَيكُم إلَّا أَنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفرَضَ عَلَيكُم، وَذلك في رَمضَانَ» (١). زاد البُخاريُّ (٢): «وَلَكِنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفرَضَ عَلَيكُم فَتَعجِزُوا عنها»، فَتُوُفِّيَ رَسولُ اللهِ وَالأَمرُ على ذلك.

قال الحافِظُ ابنُ حَجَر في الفَتحِ: قوله: «فَتَعجِزُوا عنها»، أي: تَشُقَّ عليكم، فتَترُكوها مع القُدرةِ عليها، وليس المُرادُ العَجزَ الكلِّيَّ؛ لأنَّه يُسقِطُ التَّكليفَ مِنْ أصلِه.

ثم إنَّ ظاهِرَ هذا الحَديثِ أنَّه تَوقَّعَ تَرتُّبَ افتِراضِ الصَّلاةِ باللَّيلِ جَماعةً على وُجودِ المُواظَبةِ عليها، وفي ذلك إشكالٌ، وقد بَناه بَعضُ المالِكيَّةِ على قاعِدَتِهم في أنَّ الشُّروعَ مُلزِمٌ، وفيه نَظرٌ، وأجابَ المُحِبُّ الطَّبريُّ بأنَّه يَحتمِلُ أن يَكونَ اللهُ تَعالَى أوحى إليه: إنَّكَ إن واظَبتَ على هذه الصَّلاةِ معهم، افتَرَضَها عليهم؛ فأحَبَّ التَّخفيفَ عنهم؛ فتركَ المُواظَبةَ. قال: ويَحتَمِلُ أن يَكونَ ذلك وقعَ في نَفسِه كما اتَّفق في بعضِ القُرَبِ التي


(١) رواه البُخاري (١٠٧٧)، ومُسلم (٧٦١).
(٢)

<<  <  ج: ص:  >  >>