قالُوا: ولو كانَ حَديثُ جابرٍ صَريحًا في الإباحةِ لَكانَ فَردًا، وأحاديثُ تَحريمِ ذَواتِ الأنيابِ مُستفيضةٌ مُتعدِّدةٌ، ادَّعى الطَّحاويُّ وغيرُه تَواترَها، فلا يُقدَّمُ حَديثُ جابرٍ عليهَا.
قالُوا: والضَّبعُ مِنْ أخبَثِ الحَيوانِ وأشرَهِه، وهو مُغرًى بأكلِ لُحومِ الناسِ ونَبشِ قُبورِ الأمواتِ وإخراجِهِم وأكلِهِم، ويَأكلُ الجِيَفَ ويَكسرُ بنابِه، قالَوا: واللهُ سُبحانَه قد حرَّمَ علينا الخَبائثَ، وحرَّمَ رَسولُ اللهِ ﷺ ذَواتَ الأنيابِ، والضَّبعُ لا يَخرجُ عن هذا وهذا.
وقالُوا: وغايةُ حَديثِ جابرٍ يَدلُّ على أنها صَيدٌ يُفدَى في الإحرامِ، ولا يَلزمُ مِنْ ذلكَ أكلُها، وقد قالَ بَكرُ بنُ مُحمدٍ: سُئلَ أبو عبدُ اللهِ -يعنِي الإمامَ أحمَدَ- عن مُحرِمٍ قتَلَ ثَعلبًا فقالَ: عليهِ الجَزاءُ، هي صَيدٌ، ولكنْ لا يُؤكلُ، وقالَ جَعفرُ بنُ مُحمدٍ: سَمِعتُ أبا عبدِ اللهِ سُئلَ عن الثَّعلبِ فقالَ: الثعلبُ سَبُعٌ، فقدْ نَصَّ على أنه سَبعٌ وأنه يُفدَى في الإحرامِ، ولمَّا جعَلَ النبيُّ ﷺ في الضَّبعَ كَبشًا ظَنَّ جابرٌ أنه يُؤكلُ فأفتَى بهِ.
والذينَ صَحَّحوا الحَديثَ جَعَلوهُ مُخصِّصًا لعُمومِ تَحريمِ ذي النابِ مِنْ غيرِ فَرقٍ بينَهُما، حتى قالُوا:«ويَحرمُ أكلُ كلِّ ذي نابٍ مِنْ السِّباعِ إلا الضَّبعَ»، وهذا لا يَقعُ مِثلُه في الشَّريعةِ، أنْ يُخصِّصَ مِثلًا على مِثلٍ مِنْ كلِّ وجهِ مِنْ غَيرِ فُرقانٍ بينَهُما.
وبحَمدِ اللهِ إلى ساعَتِي هذهِ ما رَأيتُ في الشَّريعةِ مَسألةً واحِدةً كذلكَ -أعنِي شَريعةَ التَّنزيلِ، لا شَريعةَ التأويلِ-، ومَن تأمَّلَ ألفاظَه ﷺ