فهذهِ الأحادِيثُ نَصٌّ صَريحٌ على حُرمةِ كلِّ ذِي نابٍ مِنْ السِّباعِ ومِخلبٍ مِنْ الطَّيرِ.
قالَ ابنُ عبدِ البَرِّ ﵀ بعدَ أنْ ذكَرَ الحَديثَ: وفيهِ مِنْ الفِقهِ أنَّ النهيَ عن أكلِ كلِّ ذي نابٍ مِنْ السِّباعِ نهيُ تَحريمٍ لا نهيُ أدَبٍ وإرشادٍ، ولو لم يَأتِ هذا اللَّفظِ عن النبيِّ ﷺ لَكانَ الواجِبُ في النَّظرِ أنْ يَكونَ نَهيُه ﷺ عن أكلِ كلِّ ذي نابٍ مِنْ السِّباعِ نَهيَ تَحريمٍ، فكيفَ وقد جاءَ مُفسَّرًا في هذا الخبَرِ؛ لأنَّ النهيَ حَقيقتُه الإبعادُ والزَّجرُ والانتهاءُ، وهذا غايةُ التَّحريمِ؛ لأنَّ التَّحريمَ في كَلامِ العَربِ الحِرمانُ والمَنعُ …
إلا أنَّ بعضَ أصحابِنا زعَمَ أنَّ النهيَ عن ذلكَ نَهيُ تَنزُّهٍ وتَقذُّرٍ، ولا أدرِي ما معنَى قَولِه: «نَهيُ تَنزُّهٍ وتَقذُّرٍ»، فإنْ أرادَ به نَهيَ أدَبٍ فهذا ما لا يُوافَقُ عليهِ، وإنْ أرادَ أنَّ كلَّ ذِي نابٍ مِنْ السِّباعِ يَجبُ التنزُّهُ عنه كما يَجبُ التنزُّهُ عن النَّجاسةِ والأقذارِ فهذا غايةٌ في التَّحريمِ؛ لأنَّ المُسلمينَ لا يَختلفونَ في أنَّ النَّجاساتِ مُحرَّماتُ العَينِ أشَدَّ التَّحريمِ لا يَحلُّ استِباحةُ أكلِ شَيءٍ منها، ولم يُرِدْه القائِلونَ مِنْ أصحابِنا ما حَكَيْنا هذا عنهُم، ولكنَّهم أرادُوا: الوجهُ الذي عندَ أهلِ العِلمِ نَدبٌ وأدبٌ؛ لأنَّ بعضَهم احتَجَّ بظاهِرِ قَولِ اللهِ ﷿: ﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ﴾ [الأنعام: ١٤٥] الآيَة، وذُكرَ أنَّ مِنْ الصَّحابةِ مَنْ استَعملَ هذهِ الآيةَ ولم يُحرِّمْ ما عدَاها، فكأنَّه لا حَرامَ عندَه على طاعِمٍ إلا ما ذُكرَ في هذهِ الآيةِ، ويَلزمُه على أصلِه هذا أنْ يُحِلَّ أكْلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute