ذَكاةُ إحداهُما ذَكاةً للأُخرَى، ولأنه أصلٌ في الحَياةِ والدمِ؛ لأنه لا يُتصوَّرُ حَياتُه بعدَ مَوتِها، وله دَمٌ على حِدةٍ غيرُ دَمِها، والذَّبحُ شُرعَ لتَنهيرِ الدمِ النَّجسِ مِنْ اللحمِ الطاهرِ، وذَبحُها لا يَكونُ سَببًا لخُروجِ الدمِ منه.
ولأنَّ اللهَ تعالَى قالَ: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ﴾ [المائدة: ٣] وقالَ في آخِرِها: ﴿إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ﴾ فحرَّمَ اللهُ المَيتةَ مُطلَقًا واستَثنَى المُذكَّى منها، وبيَّنَ النبيُّ ﷺ الذَّكاةَ في المَقدورِ على ذَكاتِه في النَّحرِ واللبَّةِ، وفي غيرِ مَقدورٍ على ذَكاتِه بسَفحِ دَمِه، فلمَّا كانَتِ الذَّكاةُ مُنقِسمةٌ إلى هَذينِ الوَجهينِ وحكَمَ اللهُ بتَحريمِ المَيتةِ حُكمًا عامًّا، واستَثنَى منه المُذكَّى بالصِّفةِ التي ذكَرْنا على لِسانِ نَبيِّه ولم تَكنْ هذه الصِّفةُ مَوجودةً في الجَنينِ كانَ مُحرَّمًا بظاهرِ الآيةِ.
وبقَولِ النبيِّ ﷺ: «أحلَّتْ لنا مَيتتانِ ودَمانِ، المَيتتانِ: الحُوتُ والجَرادُ، والدَّمانِ: الكَبدُ والطُّحالُ»، وهذه مَيتةٌ ثالِثةٌ يُوجِبُ الخبَرُ أنْ تَكونَ مُحرَّمةً، ولأنه مِنْ جِنسِ ما يُذكَّى، فوجَبَ أنْ لا يَحلَّ إلا بالذَّكاةِ كالأمِّ، ولأنه ذَبحٌ واحِدٌ، فلمْ يَجُزْ أنْ تَكونَ ذَكاةُ الاثنَينِ كما لو خرَجَ الجَنينُ حيًّا، ولأنَّ ما كانَ مَوتُه ذَكاةً في غَيرِ المَقدورِ عليهِ كانَ موتُه ذَكاةً في المَقدورِ عليهِ، وما لم يَكنْ مُوتُه ذَكاةً في المَقدورِ عليهِ لم يَكنْ ذَكاةً في غيرِ المَقدورِ عليهِ كالصَّيدِ والنَّعَمِ، فلمَّا لم يَكنْ مَوتُ المَقدورِ عليهِ مِنْ الأجنَّةِ ذَكاةً لم يكنْ مَوتُ غيرِ المَقدورِ عليهِ ذكاةً (١).
(١) «مختصر اختلاف العلماء» (٣/ ٢٢٦، ٢٢٧)، و «أحكام القرآن» (١/ ١٣٧، ١٣٩)، و «المبسوط» (١٢/ ٦، ٧)، و «بدائع الصنائع» (٥/ ٤٢، ٤٣)، و «الجوهرة النيرة» (٥/ ٤٦٥، ٤٦٦).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute