للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعن جابِرِ بنِ عَبدِ اللهِ عن رَسولِ اللهِ قالَ: «ذَكاةُ الجَنينِ ذَكاةُ أمِّه» (١)، فجعَلَ إحدَى الذَّكاتينِ نائِبةً عنهُما أو قائِمةً مَقامَهما، كما يُقالَ: «مالُ زَيدٍ مالِي، ومالِي مالُ زَيدٍ» يريدُ أنَّ أحَدَ المالَينِ يَنوبُ عن الآخَرِ ويَقومُ مَقامَه.

ولأنَّ هذا إجماعٌ مِنْ الصَّحابةِ ومَن بعدَهم، فلا يُعوَّلُ على ما خالَفَه، ولأنَّ الجَنينَ مُتصِلٌ بها اتِّصالَ خِلقةٍ يَتغذَّى بغِذائِها، فتَكونُ ذَكاتُها ذَكاتَه كأعضائِها، ولأنَّ الذكاةَ في الحَيوانِ تَختلفُ على حَسبِ الإمكانِ فيه والقُدرةِ؛ بدَليلِ الصَّيدِ المُمتنِعِ والمَقدورِ عليهِ والمُتردِّيةِ، والجَنينُ لا يُتوصَّلُ إلى ذَبحِه بأكثرَ مِنْ ذَبحِ أمِّه، فيَكونُ ذَكاةً له (٢).

وذهَبَ الإمامُ أبو حَنيفةَ وزُفرُ والحَسنُ بنُ زِيادٍ إلى أنَّ مَنْ نحَرَ ناقةً أو ذبَحَ بَقرةً أو شاةً فوجَدَ في بَطنِها جَنينًا مَيتًا لم يُؤكلْ، أشعَرَ أم لم يُشعِرْ، أي: تَمَّ خَلقُه أو لم يَتمَّ؛ لقَولِه تعالَى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ﴾ [المائدة: ٣]، وهي اسمٌ لِما ماتَ حَتفَ أنفِه، وهذا مَوجودٌ في الجَنينِ؛ لأنه لا يَموتُ بمَوتِ أمِّه؛ لأنَّها قد تَموتُ ويَبقَى الجَنينُ في بَطنِها حيًّا، ويَموتُ وهي حيَّةٌ، فحَياتُه غيرُ مُتعلِّقةٍ بحَياتِها، فلا تَكونُ ذَكاتُها ذَكاةً له، فصارَا كالشاتَينِ لا تَكونُ


(١) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه أبو داود (٢٨٢٨)، والدارمي في «سننه» (١٩٧٩).
(٢) «بدائع الصنائع» (٥/ ٤٢، ٤٣)، و «الهداية» (٤/ ٦٧)، و «الاستذكار» (٥/ ٢٦٣، ٢٦٥)، و «أحكام القرآن» (٣/ ١٨)، و «الحاوي الكبير» (١٥/ ١٤٨، ١٥٠)، و «المجموع» (٩/ ٢١٩، ٢٢٠)، و «المغني» (٩/ ٢١٩، ٢٢٠)، و «منار السبيل» (٣/ ٣٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>