للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسُئلَ شَيخُ الإسلامِ عن جَماعةٍ مِنْ المُسلمينَ اشتَدَّ نَكيرُهم على مَنْ أكَلَ ذَبيحةَ يَهوديٍّ أو نَصرانيٍّ مُطلَقًا، ولا يَدرِي ما حالُهم، هل دَخَلوا في دِينِهم قبلَ نَسخِه وتَحريفِه وقبلَ مَبعثِ النبيِّ أم بعدَ ذلكَ؟ بل يَتناكَحونَ وتُقَرُّ مُناكَحتُهم عندَ جَميعِ الناسِ وهُم أهلُ ذِمةٍ يُؤدُّونَ الجِزيةِ ولا يُعرَفُ مَنْ هُمْ ولا مَنْ أباؤُهم، فهلْ للمُنكِرينَ عليهِم مَنعُهم مِنْ الذبحِ للمُسلمينَ؟ أم لهُم الأكلُ مِنْ ذَبائحِهم كَسائرِ بلادِ المُسلمينَ؟

فأجابَ : ليسَ لأحَدٍ أنْ يُنكِرَ على أحَدٍ أكَلَ مِنْ ذَبيحةِ اليَهودِ والنَّصارى في هذا الزَّمانِ، ولا يَحرمُ ذَبحُهم للمُسلمينَ، ومَن أنكَرَ ذلكَ فهو جاهِلٌ مُخطِئٌ مُخالِفٌ لإجماعِ المُسلمينَ.

ثمَّ قالَ: وسَببُ هذا أنَّ أصلَ دِينِهم الذي أنزَلَ اللهُ به الكُتبَ وأرسَلَ به الرُّسلَ ليسَ فيه شِركٌ، كما قالَ تعالَى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (٢٥)[الأنبياء: ٢٥] وقالَ تعالَى: ﴿وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (٤٥)[الزخرف: ٤٥] وقالَ: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [النحل: ٣٦]، ولكنَّهم بَدَّلوا وغَيَّروا فابتَدَعوا مِنْ الشِّركِ ما لم يُنزلْ به اللهُ سُلطانًا، فصارَ فيهم شِركٌ باعتبارِ ما ابتَدَعوا، لا باعتبارِ أصلِ الدينِ.

ثمَّ قالَ: وقد ثبَتَ حِلُّ طَعامِ أهلِ الكِتابِ بالكِتابِ والسُّنةِ والإجماعِ.

وأيضًا فقدْ ثبَتَ في الصِّحاحِ بل بالنَّقلِ المُستفيضِ أنَّ النبيَّ أهدَتْ له اليَهوديةُ عامَ خيبَرَ شاةً مَشويةً، فأكَلَ مِنها لُقمةً ثمَّ قالَ: «إنَّ هَذهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>