للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المُقدَّمِ، فإنْ ذبَحَها مِنْ قَفاها أو إحدَى صَفحتَي العُنقِ فإنها لا تُؤكَلُ، سَواءٌ فعَلَ ذلكَ في ضَوءٍ أو ظُلمةٍ، عَمدًا أو خَطأً أو غَلبةً؛ لأنَّ مَنْ ذبَحَ مِنْ القَفَا قد قطَعَ النُّخاعَ -وهو المُخُّ الذي في عِظامِ الرَّقبةِ- قبلَ أنْ يَصلَ إلى مَوضعِ الذَّبحِ، فيَكونُ بفِعلِه قد قتَلَ البَهيمةَ بقَطعِه نُخاعَها -إذْ هو مَقتلٌ مِنْ مَقاتلِها- قبلَ أنْ يُذكِّيَها في مَوضعِ ذَكاتِها (١).

وذهَبَ الحَنفيةُ والشافِعيةُ والحَنابلةُ في المَذهبِ إلى أنَّ مَنْ ذبَحَ حَيوانًا مَقدورًا عليهِ مِنْ قَفاهُ فإنْ أسرَعَ وقطَعَ العُروقَ أو الحُلقومَ والمَريءَ وبه حَياةٌ مُستقِرةٌ حَلَّ أكلُه؛ لأنَّ الذَّكاةَ صَادفتْه وهو حَيٌّ، كما لو قطَعَ يَدَ الحَيوانِ ثمَّ ذكَّاهُ، ولعُمومِ قَولِ النبيِّ : «ما أنهَرَ الدمَ وذُكرَ اسمُ اللهِ عليهِ فكُلوهُ»، ولأنها ذَكاةٌ حصَلَتْ وفيه حَياةٌ مُستقِرةٌ، فأُبيحَ كما لو قطَعَ رِجلَها ثمَّ ذبَحَها

ولكنْ يَحرمُ عليهِ عندَ الشافِعيةِ، ويُكرَهُ له عِنْدَ الحَنفيةِ؛ لأنه خِلافُ المَسنونِ.

وإلا بأنْ ماتَ قبلَ قَطعِ العُروقِ أو الحُلقومِ والمَريءِ لم يَحلَّ ولم يُؤكلْ؛ لأنه ماتَ قبلَ وُجودِ الذَّكاةِ في مَحلِّها، فلا تُفيدُ الذَّبحَ بعدَ ذلكَ كما لو ماتَ حتْفَ أنفِه (٢).


(١) «الإشراف على نكت مسائل الخلاف» (٤/ ٣٤٤، ٣٤٥)، رقم (١٦٩١)، و «التاج والإكليل» (٢/ ٢٠١)، و «شرح مختصر خليل» (٣/ ٣، ٤)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٢/ ٣٥٣)، و «تحبير المختصر» (٢/ ٢٩٩).
(٢) «الجوهرة النيرة» (٥/ ٤٦٠، ٤٦١)، و «اللباب» (٢/ ٣٦٢)، و «الأم» (٢/ ٢٣٩)، و «البيان» (٤/ ٥٣٣)، و «المجموع» (٩/ ٨١)، و «النجم الوهاج» (٩/ ٤٦٦)، و «مغني المحتاج» (٦/ ١١٢)، و «المغني» (٩/ ٣١٨، ٣١٩)، و «الكافي» (١/ ٤٨٠)، و «شرح الزركشي» (٣/ ٢٥٣، ٢٥٤)، و «الإنصاف» (١٠/ ٣٩٤، ٣٩٥)، و «كشاف القناع» (٦/ ٢٦٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>